
الضفة الغربية: عن العمّال والغلاء المعيشي والكفاف
صدى نيوز - أقل من أسبوع يفصلنا عن حلول شهر رمضان، وما تزال الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية ترزح تحت وطأة سياسات الاحتلال على اختلافها منذ ما يقارب عاما ونصف العام في سياق حرب الإبادة على قطاع غزة. وقبل السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023 كانت مدن وقرى ومخيمات الضفة الغربية عرضة شبه يومية لاقتحامات جيش الاحتلال، إما لتصفية بعض مقاومي الاحتلال فيها أو لاعتقال بعضهم الآخر، أو لهدم بيوتهم، معطوفا على ذلك تمادي واعتداء قطعان المستوطنين في الضفة على بعض القرى والبلدات الفلسطينية وتخريب الممتلكات والمرافق العامة فيها، وكذلك على الفلاحين في أراضيهم في محاولة لثنيهم عن الوصول إليها عبر خلع الشجر والمحاصيل، ما يفسر واحدا من بواعث السعي المسلح لمواجهة الاحتلال في مخيمات مدن شمالي الضفة، مثل جنين ونابلس وطولكرم.
غير أن أحد أسوأ رد الاحتلال على عملية طوفان الأقصى في الضفة الغربية، كان في معاقبة مئات آلاف العمال الذين كانوا يعملون داخل الخط الأخضر، بمنعهم من العودة إلى مواقع عملهم، وذلك في محاولة أراد منها الاحتلال معاقبة الشعب الفلسطيني في ظل الحرب التي يشنها عليه منذ السابع من أكتوبر 2023.
مر ما يقارب العام ونصف العام على منع معظم العمال من العودة إلى قطاعات مختلفة من سوق العمل في الداخل، ولم تسمح سلطات أمن الاحتلال إلا لجزء بسيط منهم بالعودة للعمل خلال الأشهر الماضية، حيث لا يتجاوز تعدادهم عشرات آلالاف. إذ ليس من رقم دقيق يقدر عدد العمال الذين مُنحوا تصاريح تتيح عودتهم إلى العمل، خصوصا في ظل معادلة "سلامة السجل الأمني للعامل وذويه مقابل عودته"، التي يشترطها الاحتلال وفق إجراءات غير مسبوقة من سياسات ضبط وتأديب وعقاب وابتزاز، باتت تفرض على العامل الفلسطيني في حال سمح له العودة للعمل داخل الخط الأخضر.
استعانت حكومة نتنياهو منذ السابع من تشرين الاول/أكتوبر 2023 بعمال أجانب ضمن خطة بديلة للاستعاضة عن العمالة الفلسطينية. وبصرف النظر عن مدى نجاح هذه الخطة، وصمود إمكانية الاستغناء عن العامل الفلسطيني، الأقل كلفة بالتأكيد بالنسبة لسوق العمل الإسرائيلي من العامل الفلسطيني، إلا أن حكومة الاحتلال ما تزال تصر وبعد مرور أكثر من عام ونصف على منع نحو أكثر 150 ألف عامل من الدخول للعمل في سوقها، لا بل هناك حديث غير رسمي عن إمكانية الاستغناء الدائم عن العمال الفلسطينيين من أبناء الضفة الغربية، وذلك في محاولة تسعى فيها حكومة نتنياهو إلى تثبيت حرمان عمال الصفة وعائلاتهم بشكل دائم.
في مقابل ذلك، تشهد أسواق مدن الضفة وقراها غلاءً معيشيا وارتفاعا في أسعار المواد الأساسية، الغذائية والتموينية منها خصوصا، على نحو غير مسبوق، بدت فيه وتيرة ارتفاع الأسعار شبه أسبوعية، الأمر الذي بات يدفع بشريحة واسعة من سكان الضفة إلى اتباع سياسة تقشف واكتفاء إلى حد الكفاف، يضطر فيه رب الأسرة الفلسطينية الاستغناء عن بعض السلع والمواد الغذائية رغم توفرها في الأسواق، غير أن سيولة شراؤها لم تعد متوفرة لدى كثيرين.
وهذا في ظل غياب تام لأي خطة تقترحها السلطة الفلسطينية لمواجهة تدهور الحالة المعيشية في الضفة، فضلاً عن جشع التجّار الذي يعرفه أهالي الضفة الغربية جيدا في وقت الشدائد والأزمات. ففي الأشهر الأخيرة، ارتفعت أسعار بعض المواد والسلع التموينية الأساسية غير مرة في أسواق الضفة، وفي الأسبوع الأخير مع اقتراب حلول شهر رمضان يعمل بعض كبار التجار بالتعاون مع جهات رسمية في السلطة على احتكار بعض السلع والمواد بغرض رفع أسعارها لاحقا مع موسم تزايد الطلب عليها في شهر رمضان مثلاً، إلى حد في مدينة مثل بيت لحم باتت أسعار بعض السلع والمواد في أسواقها مثل اللحوم والخضار والفواكه لا تقل عن أسعارها في القدس وداخل أراضي 48، مع أخذ بعين الاعتبار فارق معدل الدخل ما بين الضفة والداخل.
في مدينتي بيت لحم وبيت جالا ومحيطهما في جنوبي الضفة الغربية، وهما مدينتان يعتمد أهلهما على مصدرين معيشيين أساسيين، السياحة والعمالة داخل الخط الأخضر. وقد تراجعت الحركة السياحية بشكل تام منذ حرب السابع من أكتوبر 2023، كما ما يزال عمال القرى والمخيمات المحيطة بالمدينتين على قيد الانتظار في السماح لهم بالعودة للعمل في الداخل، الأمر الذي جعل معظم هؤلاء الأخيرين كعاطلين عن العمل من البحث عن مصادر معيشية محلية بديلة، ليصبح جزء منهم أصحاب بسطات لبيع الخضار وبعض المستلزمات البيتية في شوارع بيت لحم وبيت جالا وبيت ساحور إلى حد صار يفوق فيه عدد البسطات التي تملأ جوانب الطرقات تعداد المحال والمتاجر فيها، ما يشي بحجم الآفة المعيشية المتفاقمة في مدن وقرى ومخيمات الضفة الغربية.
تتأهب شريحة اجتماعية واسعة من أهالي الضفة الغربية في الأسبوع الأخير على عتبة حلول شهر رمضان، استعدادا لمزيد من الغلاء المعيشي وارتفاع الأسعار، والبحث عن سبل تقشف وكفاف في ظل شح في مصادر الدخل.
وعلى أبواب مستقبل معيشي مجهول، تجعلهم بلا مصير معيشي تماما مثلما باتت الضفة الغربية كلها بلا مصير سياسي. في السنوات الاخيرة، ساومت سلطات الاحتلال الإسرائيلي فلسطينيي الضفة الغربية على حقوقهم السياسية مقابل حقوقهم المعيشية، بينما منذ حرب الرد على السابع من أكتوبر 2023، لم يعد بالنسبة لحكومة نتنياهو الحالية ما تريد مساومة الفلسطينيين في الضفة عليه، فلا حقوق سياسية ولا معيشية في الوقت نفسه.