نسيان طولكرم وجنين.. 
مقالات

نسيان طولكرم وجنين.. 


في ظل التصعيد المستمر في الأراضي الفلسطينية، تعيش مدن ومخيمات طولكرم وجنين أوضاعًا إنسانية متفاقمة، حيث تتوالى الاجتياحات العسكرية والحصار والتدمير، وسط عمليات نزوح قسري طالت آلاف المواطنين. ومع استمرار هذا العدوان، لا تحظى هذه المأساة بالاهتمام الكافي من المجتمع الدولي والإعلام، مما يزيد من معاناة السكان.

يواصل الاحتلال عدوانه على مدينة جنين ومخيمها، وسط تفجير للمنازل، وتدمير واسع للممتلكات والبنية التحتية. وقد نزح نحو 90% من سكان المخيم قسرًا، متوجهين إلى 39 بلدة وقرية في محافظة جنين. كما يواصل الاحتلال حصار مستشفى جنين الحكومي بعد تجريف مدخله، مما تسبب في نقص حاد في المياه الصالحة للشرب، في وقت تعمل فيه بلدية جنين والدفاع المدني على محاولة إيصال المياه عبر الجرارات الزراعية، بعد منع الاحتلال صهاريج المياه من الوصول إليه.

يستمر العدوان الإسرائيلي على طولكرم حيث دفعت قوات الاحتلال بمزيد من التعزيزات العسكرية، واستولت على منازل وحولتها إلى ثكنات عسكرية بعد إجبار سكانها على المغادرة. وتفرض القوات حصارًا على مستشفى الشهيد ثابت ثابت الحكومي، وتحول المجمعات التجارية إلى نقطة مراقبة عسكرية. كما تم إخلاء السكان بالقوة من العمارات السكنية وتحويلها إلى قاعدة عسكرية.

وفي ظل هذا العدوان، أجبر الاحتلال 85% من سكان مخيم طولكرم على النزوح القسري، أي نحو 10,450 مواطنًا يمثلون 2,105 أسرة، فيما تبقى فقط 400 أسرة داخل المخيم، تعيش في ظروف كارثية وسط تدمير واسع.

وسط هذه االمأساة، لا يمكن إغفال الدور الحيوي الذي تلعبه المجتمعات المحلية في ظل التخاذل الدولي. فقد أثبت أهالي طولكرم_أبناء بلدتي شويكة وقرية دير الغصون نموذجاً_ وجنين قدرتهم على الصمود والتكاتف، حيث فتحوا بيوتهم للنازحين، وقدموا  ويقدموا ما استطاعوا من غذاء ودواء ومساندة، رغم قلة الإمكانيات وشح الموارد. هذا التضامن الشعبي هو ما يمنع الكارثة من التحول إلى مأساة أكبر، ولكنه وحده لا يكفي... لا يكفي..

اليوم، لم يعد الصمت خيارًا. المطلوب ليس فقط التغطية الإعلامية بل أيضًا تحركًا جادًا من المنظمات الإنسانية والمجتمع الدولي لدعم هذه المناطق المنكوبة، وتوفير ما يلزم من مساعدات عاجلة. فكل تأخير في الاستجابة يعني مزيدًا من المعاناة والمآسي. وكل الإحترام والتقدير لما يقوم به زملائي في كافة المؤسسات الحكومية من متابعة يومية ميدانية؛ وعلى كافة الأصعدة وخير مثال ما شاهدته من قبل وزيرة التنمية الإجتماعية  د.سماح حمد_ رئيسة غرفة العمليات الحكومية للتدخلات الطارئة في المحافظات الجنوبية_ التي تتابع التفاصيل اليومية والحديث أمام المؤسسات الدولية عن طولكرم وجنين وبالتأكيد غزة.

لمواجهة هذه المأساة التي تتفاقم في مدن طولكرم وجنين وبطبيعة الحال الأوضاع الكارثية في غزة، يجب أن يتحرك المجتمع الدولي بسرعة وبشكل أكثر فعالية. من أهم الإجراءات التي يمكن اتخاذها:

ضغط دولي على الاحتلال: ينبغي على الدول والمنظمات الدولية فرض ضغوط سياسية ودبلوماسية حقيقية على إسرائيل لوقف الانتهاكات ضد المدنيين، وخاصة عمليات النزوح القسري واحتلال المستشفيات والمرافق الحيوية. يجب أن يكون هناك تحرك قانوني لمحاسبة الاحتلال على جرائمه ضد الإنسانية.

توفير المساعدات الإنسانية: من الضروري أن تتضافر جهود المنظمات الإنسانية والإغاثية لتوفير المساعدات العاجلة للمناطق المتضررة. يجب تأمين الغذاء، الماء، الأدوية، والمأوى للنازحين، وضمان وصول هذه المساعدات عبر القنوات القانونية أو بالتعاون مع المجتمع المحلي.

دعم المجتمع المحلي: يتطلب الوضع الحالي دعمًا إضافيًا للجهود المحلية المبذولة ، على المدن الأخرى إغاثة ودعم صمود طولكرم وجنين، مع شكري وتقديري لمن عمل ويعمل.
التغطية الإعلامية المستمرة: من الضروري أن تستمر التغطية الإعلامية للمأساة الإنسانية في طولكرم وجنين، مع تسليط الضوء على معاناة المدنيين. يجب على الصحافة العالمية أن تأخذ دورها في رفع الوعي حول هذه الأزمة، بما يسهم في الضغط على صناع القرار لاتخاذ خطوات ملموسة.

إن العمل الجماعي على هذه الجبهات سيعطي الأمل لأهالي طولكرم وجنين وبالتأكيد قطاع غزة في ظل التحديات التي يواجهونها، وقد يكون الخطوة الأولى نحو إنهاء معاناتهم واستعادة جزء من كرامتهم الإنسانية.

إن نسيان طولكرم وجنين هو نسيان لجرح مفتوح في قلب القضية الفلسطينية، وتجاهل لصورة أوسع من الظلم المستمر. إننا أمام اختبار أخلاقي وإنساني؛ فإما أن نقف متفرجين، أو نعمل على إيصال صوت الضحايا ورفع قضيتهم إلى حيث يجب أن تكون: في صدارة الاهتمام الدولي. وهنا يجب أن أقول لأهلي في طولكرم وجنين الذين يعملون بصمت لإغاثة أبناء شعبنا  وإلى كل من يبذل جهدًا، وإلى كل من يساند النازحين، أنتم الأمل الحقيقي في ظل هذا الظلام الدامس.

هذا المقال يعبر عن وجهة نظر صاحبه، ولا يعبر بالضرورة عن وجهة نظر وكالة صدى نيوز.