كما لو أن الشاعر كتب قصائده في وصف ما يجري
مقالات

كما لو أن الشاعر كتب قصائده في وصف ما يجري

عندما كنت أتابع بعض صفحات التواصل الاجتماعي الخاصة بأفراد، أو باعتبارها مواقع لغير شخص، كنت ألاحظ مدى إدراجها مقاطع شعرية مما كتبه محمود درويش، وفي كل حرب من حروب غزة منذ ٢٠٠٨/ ٢٠٠٩ تكثر الاقتباسات مما كتبه سواء في غزة أو في بيروت. صمت من أجل غزة أو الخروج من ساحل الأبيض المتوسط أو البنت/ الصرخة في هدى أبو غالية أو أنت منذ الآن غيرك، والأكثر الكتاب النثري «ذاكرة للنسيان: الزمان بيروت والمكان آب» (١٩٨٦) و»مديح الظل العالي» المطولة التي كتبها في حرب لبنان ١٩٨٢.

وتستحق تلك الاستعادات وإعادة الإدراج الرصد والدراسة والتحليل، فما من شاعر آخر غيره حظي بما حظي به؛ ممن سبقوه أو ممن عاصروه أو ممن أتوا بعده أو من الشعراء الذين يعيشون الحدث. هل هذا حكم كاتب متعاطف مع الشاعر أم هو حقيقة؟

مرة، وجه الشاعر الغزي ناصر عطا الله لي لوما سببه كثرة كتابتي عن أشعار محمود درويش وقلة الالتفات إلى غيره وإهمال الكتابة عن الشعراء الجدد وهو أنني صحرت الشعر الفلسطيني، ولا أعرف إن كان محقا في لومه لي، فأنا لست الناقد الأدبي الوحيد في الساحة الأدبية الفلسطينية أو في الساحة الأدبية العربية التي كتب نقادها ودارسوها الكثير الكثير عن الشاعر وشعره.

كل ما في الأمر هو أنني نشأت على قراءة شعر شعراء المقاومة واقتربت ذائقتي الشعرية من الشعر الذي كتبه، وهذا لا يعني أنني لم أقرأ لغيره. لقد قرأت أشعار توفيق زياد ومعين بسيسو وسميح القاسم ومريد البرغوثي وقرأت نثر معين ومحمد القيسي وروايات إبراهيم نصر الله و.. و.... بل وكتبت عنها واقتبست منها ولكن حضور أعمالهم فيما كتبت ظل أقل.
في حرب الطوفان، أدرجت يوم ارتقاء حسن نصر الله ويوم ارتقاء يحيى السنوار مقاطع من «مديح الظل العالي» لاءمت ما ألم بهما، وبدا إدراجي لمقاطع كما لو أن محمود درويش كتبها فيهما، ما سبب جدلا واسعا بين محبي الرجلين وغير محبيهما، وذهب غير المحبين إلى اتهامي شخصيا بأنني أقول الشاعر ما لم يقله وأسيء إلى شعره.

عندما أدرجت المقاطع التي فيها تمجيد للمقاوم لم أكتب «كما لو أن محمود درويش كتب هذه المقاطع في نصر الله والسنوار». بدا الإدراج كما لو أن الشاعر كتبهما فيهما حقيقة، وهات نقاشا وجدالا.

في حروب غزة السابقة، كتب الشاعر خالد جمعة، إن ما يجري في غزة في الحرب لا يختلف عما ورد في «ذاكرة للنسيان». كما لو أن كاتبه يعيش في غزة ويصف ما يجري. ومن المؤكد أن ما جرى في هذه الحرب في غزة لم يحدث مثله من قبل، ولو عاش الشاعر هناك وامتد به العمر لكتب ربما ما نتخيله.

هل كان محمود درويش وهو يكتب عما يلم بالفلسطينيين يكتب من أجل المال؟
في بداية حرب الطوفان، سخر مني بعض متابعي كتاباتي واتهمني بأنني سأثرى. هم يموتون وأنا اكتب وأبيع.

كم من صحافي ارتقى في هذه الحرب؟ هل نفعهم المال وهم يؤدون رسالتهم ويغطون الأحداث؟

عندما طبع عاطف أبو سيف يومياته التي ترجمت إلى العديد من اللغات أخبرني أنه تبرع بعائدها إلى مساعدة أبناء قطاع غزة، وعندما اشترط علي ناشر أراد طباعة اليوميات أن يذهب ريعها إلى أبناء قطاع غزة لم أعارض، وهو ما حدث أيضا عندما طُبع قسم منها وصدر عن دار ميريت في القاهرة وأدرج على موقع أبجد. لقد أعيد نشر الكثير مما أكتب ولم يعد علي هذا بأي مردود مالي، ولا أظن أن المواقع والصحف التي تعيد نشر الكثير لأدباء فلسطينيين تدفع لهم؟

كما لو أن محمود درويش كتب قصائده في وصف ما يجري. حقا كما لو أنه كتبها في وصف ما يجري، والأهم هو مدى تغلغلها في وجدان القارئ الفلسطيني وتمثله لها.
بعد وفاة الشاعر، أراد الناقد فيصل دراج أن يصدر كتابا يحتفي به بذكرى رحيله، وطلب مني، من خلال متحف محمود درويش، أن أخص الكتاب بمقالة عنوانها «محمود درويش في الوعي الشعبي» وقد أنجزت المقالة ولكن الكتاب للأسف لم يصدر، ما دفعني لنشرها في جريدة الأيام الفلسطينية. في حينه لم تكن حروب غزة منذ ٢٠١٤ اندلعت، الحروب التي حضرت فيها أشعار الشاعر كما لم تحضر في الأوقات العادية. ماذا يمكن أن أكتب الآن عن حضور محمود درويش في الوعي الشعبي.

عندما غنت كارول سماحة أسطرا نسبت إلى الشاعر «ستنتهي الحرب» كتبت خمس مقالات في الأسطر. بدأ الأمر قبل الغناء، وتحديدا حين أدرج أشخاص الأسطر ونسبوها إلى الشاعر، فترجمها إلى العبرية الدكتور نبيل طنوس. يومها نبهت الدكتور إلى الأمر وكتبت مقالا في الموضوع. وفي الحرب في أيامها الأخيرة عاد النشيطون فيسبوكيا ليدرجوا الأسطر من جديد وينسبوها للشاعر.

هذا المقال يعبر عن وجهة نظر صاحبه، ولا يعبر بالضرورة عن وجهة نظر وكالة صدى نيوز.