نتنياهو والمقاومة: من أضعف إسرائيل أكثر؟ وكيف يمكنها الخروج من أزمتها؟
مقالات

نتنياهو والمقاومة: من أضعف إسرائيل أكثر؟ وكيف يمكنها الخروج من أزمتها؟

منذ هجوم 7 أكتوبر 2023، تعيش إسرائيل واحدة من أسوأ أزماتها، حيث لم تكن الضربة التي وجهتها المقاومة مجرد هجوم عسكري، بل زلزالًا كشف هشاشة الجيش الإسرائيلي وانقسام المجتمع، وأدى إلى عزلة دولية غير مسبوقة ، لكن يبقى السؤال الأهم: من ألحق الضرر الأكبر بإسرائيل – المقاومة أم بنيامين نتنياهو نفسه؟

المقاومة: ضربة عسكرية ونفسية قاسية

مع عملية طوفان الأقصى، تعرضت إسرائيل لهزة غير مسبوقة:
    •    اختراق تحصيناتها العسكرية في غلاف غزة خلال ساعات قليلة، والسيطرة على أكثر من 22 مستوطنة وقتل وأسر مئات الجنود والمستوطنين.
    •    ضرب هيبة الجيش الإسرائيلي، حيث ظهر عاجزاً ومفككا أمام عمليات المقاومة.
    •    ضرب العمق الإسرائيلي بالصواريخ، ما كشف فشل القبة الحديدية وعجزها عن التصدي للصواريخ التي وصلت تل أبيب، القدس، حيفا ومدن أخرى.
    •    إفشال الأهداف الإسرائيلية من الحرب، إذ لم تتمكن تل أبيب حتى الآن من القضاء على المقاومة أو استعادة الأسرى، بينما أصبح الاحتلال عالقاً في مستنقع غزة دون استراتيجية واضحة للخروج.

لكن رغم التأثير العسكري الكبير، فإن السبب الأهم في انهيار إسرائيل ليس المقاومة فقط، بل سياسات نتنياهو وحكومته المتطرفة التي دفعت إسرائيل نحو الهاوية.

نتنياهو: الخطر الأكبر على إسرائيل

إذا كانت المقاومة قد هزّت إسرائيل أمنياً وعسكرياً ، فإن نتنياهو قادها إلى الانهيار من الداخل عبر سياسات كارثية:

1. تفكيك الجبهة الداخلية
    •    إضعاف القضاء وتقسيم المجتمع الإسرائيلي
قاد نتنياهو مشروع إضعاف المحكمة العليا، مما فجّر أكبر أزمة داخلية في تاريخ إسرائيل، حيث خرج نصف مليون متظاهر أسبوعياً ضد حكومته، ورفض آلاف الجنود والضباط الاحتياط الالتحاق بالخدمة العسكرية.
    •    أزمة الثقة في القيادة
استطلاعات الرأي الأخيرة كشفت أن 80% من الإسرائيليين فقدوا الثقة في نتنياهو بعد الحرب، ما أدى إلى انقسامات عميقة داخل الحكومة والجيش.

2. التقصير الأمني قبل 7 أكتوبر
    •    تحذيرات أمنية تم تجاهلها
تجاهل نتنياهو تقارير استخباراتية من الشاباك والجيش تحذّره من تحركات المقاومة قبل أسابيع من العملية.
    •    التوجه نحو التطبيع بدلا من تأمين إسرائيل
ركز على اتفاقيات التطبيع مع أنظمة عربية تابعة أصلاً لأمريكا وإسرائيل، بينما ترك الجبهة الداخلية مكشوفة بالكامل أمام هجوم المقاومة.

3. دعم المقاومة لإضعاف السلطة الفلسطينية
    •    تمويل حماس كأداة سياسية
على مدى سنوات، سمح نتنياهو بوصول مئات الملايين من الدولارات القطرية إلى غزة، معتقداً أنه يمكن إبقاء المقاومة تحت السيطرة وإضعاف السلطة الفلسطينية في الضفة.
    •    النتائج الكارثية
جاءت هذه السياسة بنتائج عكسية، حيث أصبحت المقاومة أقوى مما كان يتخيله نتنياهو، واستطاعت توجيه أقسى ضربة في تاريخ ما تسمى إسرائيل.

4. عزل دولة الاحتلال  دوليا 
    •    إدانات غير مسبوقة
منذ بدء الحرب، تعرضت إسرائيل لأكبر موجة إدانات دولية، حيث اتهمتها منظمات حقوقية بارتكاب جرائم حرب.
    •    خسارة التأييد الغربي
لأول مرة، بدأ الدعم الغربي لإسرائيل بالتآكل، حيث تواجه حكومة بايدن ضغوطاً داخلية وخارجية لوقف إمدادات السلاح.
    •    فشل التطبيع
رغم توقيع اتفاقيات مع بعض الحكام العرب، إلا أن التطبيع لم ولن يمتد إلى الشعوب العربية والإسلامية، بل أصبح الآن مستحيلاً بعد المجازر في غزة والضفة.

كيف يمكن لإسرائيل الخروج من هذا الدمار؟

إسرائيل الآن في مأزق تاريخي، والخروج من هذه الأزمة يتطلب قرارات جذرية، لكن الخيارات أمامها محدودة جدا :

1. إقالة نتنياهو وتشكيل حكومة جديدة
    •    استمرار نتنياهو في الحكم يعني المزيد من العزلة الدولية والانقسام الداخلي.
    •    البديل هو تشكيل حكومة جديدة بقيادة شخصيات أقل تطرفاً ، قادرة على إدارة أزمة الحرب وإعادة ثقة المجتمع الإسرائيلي بالحكومة.

2. وقف الحرب والانسحاب من غزة
    •    استمرار الحرب يعني المزيد من الخسائر البشرية والسياسية لإسرائيل.
    •    أفضل خيار استراتيجي هو وقف العمليات العسكرية والسعي لاتفاق لتبادل الأسرى، قبل أن تتحول غزة إلى فيتنام جديدة لإسرائيل.

3. العودة إلى مسار “حل الدولتين”
    •    رغم أن اليمين الإسرائيلي يرفض ذلك، فإن الخيار الوحيد لتجنب نزاعات طويلة الأمد هو العودة إلى حل الدولتين وإنهاء الاحتلال.
    •    الاستمرار في سياسة القتل والتدمير لن يزيد إلا من عزلة إسرائيل دولياً ويجعلها كيانا منبوذا عالميا .

4. إعادة بناء العلاقات مع الغرب بدلا من الاعتماد على التطبيع العربي الفارغ .
    •    التطبيع الذي سعى له نتنياهو كان مع أنظمة عربية أصلا  تابعة لأمريكا وإسرائيل منذ عقود، حيث تعينت هذه الأنظمة من قبل القوى الاستعمارية ولا تملك قرارها المستقل.
    •    هذه الأنظمة لم تكن يومًا ممثلا حقيقياً لشعوبها، والواقع أثبت أن الشعوب العربية والإسلامية لم ولن تطبع مع إسرائيل، بل باتت أكثر عداءً لها بعد جرائم الحرب في غزة.
    •    إسرائيل بحاجة إلى تحسين علاقتها مع أوروبا وأمريكا، بدلًا من الاعتماد على اتفاقيات شكلية مع أنظمة لا تملك حتى قراراتها السيادية.

إسرائيل بين خيارين: التغيير أو الانهيار

ما حدث خلال الشهور الماضية أثبت أن إسرائيل لم تعد تواجه مجرد تهديد عسكري، بل أزمة وجودية داخلية وخارجية.
    •    إما أن تسلك طريق العقلانية بإقالة نتنياهو، ووقف الحرب، والسير في مسار حل سياسي شامل.
    •    أو تستمر في نهج الحكومات المتطرفة، ما سيؤدي في النهاية إلى تحولها إلى دولة معزولة عالمياً ، غارقة في صراعات داخلية، ومهددة من كل الجهات.

إسرائيل الآن عند مفترق طرق خطير، فهل تمتلك القدرة على الاعتراف بأخطائها والبحث عن مخرج سياسي، أم أنها ستواصل سياسات الغطرسة حتى تنهار من الداخل؟

هذا المقال يعبر عن وجهة نظر صاحبه، ولا يعبر بالضرورة عن وجهة نظر وكالة صدى نيوز.