
رحيل الطفل الكبير
ما زال يلهو في طرقات المخيم على ايقاع قريته زكريا ، قل من كتبوا عن المخيم حتى آخر رمق ، وقل من عاش شبابه وشيخوخته طفلا. عاش في المدينة فتجاوزها قلمه وشعره ونثره ، وعاش شابا فظل كأنما في المخيم .عاش زمن بيروت فتجاوزه كتابة مثلما تجاوزه ذلك المسؤول اللئيم المعقم بالفيروسات بعدم احتساب سنوات نضاله عندما أحيل الى التقاعد واقتطع سنوات هو بأمس الحاجة اليها ليعيش بقية عمره. التقيته صدفة في اواسط التسعينات حيث اقام في في عين مصباح في رام الله اولا ثم التم مع عائلته . واظب على الكتابة كلما مر المخيم في خاطره ،كان يكتب عدة فقرات انشرها على الصفحة الأخيرة وذات مساء اشتقت اليه فذهبنا الى مقهى وكنت ادرك حاجته للكتابة فاقترحت عليه ان يكتب زاوية يومية ليحصل على مكافأة شهرية بدلا من الكتابة المتقطعة وهكذا شعر بالارتياح .
ظل يكتب يوميا الى ان جاء لئيم آخر معقم بجرب المعدة واوقف زاويته اليومية بعد تركي الصحيفة .كنت مأخوذا بذاكرته الطفولية التي ترسم صورا قلمية عن شخوص المخيم في غور الاردن وغيره وسخريته الفطرية وكنت استغرب عدم جمعها في كتاب بل عندما بدأ نشر اغنياته القصيرة اقترحت عليه تلحينها مثلما فعل مع اغنيات اخرى لأنها تصور حالات انسانية تستحق الحفظ والانتشار. صارت قهوة رام الله محطة صباحية لنا نتامل بصمت ونناقش دو ضجيج كنت اشعر انه مكلوم داخليا من ظلم البشر وقلة الحظ فيركن الى الصمت ولا يشارك في النقاش السياسي ابدا . فهوكائن حساس والسياسة تفسد اي مجال تتدخل فيه ، كان يتواجد على مقهى رام الله مذ التاسعة صباحا الى الظهيرة وعندما انتقل الجمع الى مقهى الانشراح في رام الله التحتا كان هناك منذ الثامنة حتى قبل الظهر حيث يتلقفه الصديق احمد داوود في مشوار ثم الى شقته . عندما رزق بحفيده زكريا صار وضاحا عندما يزوره او يلتقيه كأنما وجد نفسه،او كأنما استنسخ زكريا القرية السليبة فيه .فهو ظل وفيا لطفولته احب الاطفال وكتب لهم كتبا واغاني. داهمه المرض ولم يستكن له ظل مهملا لمرضه توجهت واياه الى مستشفى رام الله في مطلع صيف وهناك وجدنا زميلنا الراحل مازن سعادة فسألته وانت ما بك قال كلي خربان بعد يومين صادفت مازن على مقهى الانشراح فعدت اسأله ماذا قال الطبيب والفحوص فرد كلي خربان بعدها بايام توجه الى عمان حيث توفي . قلت لوضاح بعد ان اشتد مرضه التزم بالعلاج وإلا فكان يلتزم تارة ولا يلتزم تارة اخرى فمن هو في وضعه كان لا يجب ان يغادر المستشفى لكن جسده تهالك والتزم البيت حتى المكالمات لا يرد عليها ربما لا يريد اظهار ضعفه او يأسه او اراد ان يختتم عمره في صمت تاركا اناشيد واشعارا واغاني وابتسامته الوضاحة . عاش طفلا ورحل طفلا اليس هو من كتب للاطفال :
أريد كل شيء
الحب والحياة والحنان
أريد أن أكون
كالجبال والطيور في أمان
أريد أن أظل دائما إنسان
هذا هو الوطن
أن تكون في الوطن
انسان
ولكن السؤال هل عومل وضاح في وطنه بإنسانية !