
ماذا سأكتب عن وضاح؟
هل أكتب عن سنوات السلام بيني وبينه، تلك التي تعقبها دوما سنوات شجار؟ هل اكتب عن اقترابنا الرهيب حد الملل أم عن ابتعادنا المؤلم حد الشوق والاغتراب؟ وقبل عودة الاقتراب بأيام يشيع وضاح بين الناس تماما كما يفعل الملائكة أو القديسون، أن سنة اختبار الصداقة بيني وبين خداش قد قاربت على الانتهاء، كان يسمي الشجار اختبار صداقة، وهذا التعبير لا يتقنه سوى رجل عظيم وواسع وناضج.
ماذا اكتب يا ناس عن وضاح؟ عن صباحاتنا الصيفية لسنوات على رصيف الانشراح ونميمتنا على أغصان الشجرة والنملة التي تمر عبر أقدامنا، كانت واضحة موهبته في اكتشاف ما وراء المشاهد والناس والأمكنة: (زياد هذا الزلمة اللي مرق من قدامنا متقاتل مع مرته، شفت السيارة اللي مرقت اللي بسوقها معاه باسور، اطلع اطلع الشاب اللي واقف مع الختيار هذا سيده وبقنع فيه يدعمه في مشروع تجاري فاشل طبعا). وكان خبيرا دون فضول بمعارك جيران المقهى، مكتشفا المظلوم والبسيط ومحددا الظالم والقاسي، ومنحازا إلى المظلوم باستمرار، وضاح فلاح من قرية زكريا المهجرة، لم يغير جلده ولهجته، ومواقفه، قليل الصداقات وقليل الاحتكاك بالآخرين، أما عن خفة ظله فتلك حكاية أخرى، لا يجلس شخص غريب مع وضاح إلا ويسألني عن وضاح: مين هذا الزلمة ما أحلى قعداته!
كنت أقول له انت مخرج يا وضاح، مخرج عبقري لهذا الفيلم الذي اسمه رام الله، وكان موهوبا في إخفاء حزنه، كل ضحكة لوضاح خلفها تعيش دمعة، كل نكتة يطلقها خلفها جرح كامن، ماذا سأكتب عن وضاح الفدائي الشريف بخوذته التي تفيض عن رأسه، ماذا أكتب يا عالم عن وضاح، عن طنجرة (التوتيا) التي لم يعدها لي حتى الآن، أحضرت له مرة طنجرة ملفوف، طبختها أمي، وظل يحتفي بالطنجرة نفسها ونوعها: هذه من نوع (توتيا) مستحيل ترجعلك، مستذكرا أيام مخيم الكرامة وطناجر مطعام الوكالة.
ماذا سأكتب عن وضاح؟ عن إجاباته المختصرة العميقة عن أسئلتي؟، وضاح ماذا تقول للاحتلال: هينا قاعدين؟. وضاح رجل كثير جدا، ويوم دفنوه أمامي، كنت أقول لنفسي، حفرته جدا ضيقة، لن تتسع لربع ضحكته، ولن تنجح في صد سيل من الحكايات التي لم يحكها وضاح بعد، غدا ستفاجؤون به يفيض من حيز القبر موزعا نفسه على أطراف الجبل.
ماذا سأكتب عن وضاح؟

صمتوا دهراً و نطقوا كفرا

هذا هو الواقع، فماذا نحن فاعلون؟

ترامب وزبانيته من المهاجرين

كرّر كلمة "النصر" 654 مرّة وحقّقه على الجبهات الأخرى وعَلِق في غزّة...

مذبحة غزة لن تنقذ إسرائيل من نفسها

الاحتجاجات في غزة: بين صرخة المعاناة وحسابات المرحلة

رحيل الحوراني، زقطان و"الحوت": صمت لا يُشبههم
