حرب نتنياهو على غزة: معركة للبقاء في السلطة
مقالات

حرب نتنياهو على غزة: معركة للبقاء في السلطة

يبدو أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قد قرر مرة أخرى إشعال فتيل الحرب على غزة، لكن هذه المرة ليس بدافع الأمن الإسرائيلي بل من أجل الحفاظ على كرسيه المترنح وسط عاصفة الأزمات السياسية والاقتصادية والاتهامات بالفساد ، فبينما يعاني المجتمع الإسرائيلي من انقسامات داخلية واحتجاجات واسعة ضد حكومته وجد نتنياهو في الحرب طريقاً للهروب من أزماته مستغلاً التصعيد العسكري لإعادة ترتيب أوراقه السياسية وإسكات المعارضة المتزايدة ضده ، كما قال الكاتب الصحفي الإسرائيلي جدعون ليفي: “نتنياهو يستخدم الحرب لتغطية أزماته الداخلية وهذه ليست حرباً من أجل الامن والأمان بل من أجل البقاء في السلطة”.

المفاوضات تحت النار سياسة نتنياهو للهروب من الحلول
لم يتعامل نتنياهو مع الأزمة الحالية وفقاً لحلول سياسية من شأنها إنهاء العدوان أو تحقيق استقرار طويل الأمد بل تبنى نهجه التقليدي في “المفاوضات تحت النار” حيث يرفض تقديم أي تنازلات ويضع شروطاً تعجيزية مثل استعادة الأسرى الإسرائيليين دون أي مقابل حقيقي ، كما أشار المعلق السياسي الإسرائيلي يوآف كيش: “هذه الحرب ليست إلا وسيلة للمماطلة حيث يرفض نتنياهو كل الحلول السلمية التي من شأنها أن تنقذه من محاكمته السياسية”.

الأزمات الداخلية تحاصر نتنياهو
يواجه نتنياهو أزمات غير مسبوقة، أبرزها:
    1.    ملف الموازنة المتعثر: تصاعدت الخلافات داخل حكومته بسبب توزيع الأموال حيث يضغط اليمين المتطرف للحصول على مزيد من الامتيازات على حساب قطاعات أخرى مما قد يؤدي إلى انهيار حكومته الائتلافية.
    2.    ملف القضاء: يسعى نتنياهو للسيطرة على الجهاز القضائي عبر سلسلة من التعديلات والإقالات التي قوبلت برفض شعبي واسع وهو ما يزيد من حالة الاحتقان الداخلي.
    3.    لجان التحقيق في إخفاقات 7 أكتوبر: تحقيقات متعددة تجري حول الفشل الأمني في مواجهة عملية المقاومة في أكتوبر والتي قد تدين نتنياهو وتؤدي إلى سقوطه السياسي.
    4.    الاحتجاجات الشعبية: الشارع الإسرائيلي يغلي سواء من أهالي المختطفين الذين يتهمونه بإهمال ملف أبنائهم أو المعارضة التي ترى أنه يقود البلاد نحو الهاوية.
    5.    إقالات سياسية لخدمة أجنداته: مثل إقالة رئيس الشاباك والموساد ورئيس هيئة الأركان وقادة آخرين.
    6.    ملف فساده ومحاكمته: أصبحت القضايا القانونية المتعلقة بالفساد تلاحقه بشكل متسارع وأصبح من المؤكد أن إدانته بالفساد باتت مسألة وقت فقط وهو ما يمثل تهديداً مباشرا لمستقبله السياسي.

وفي هذا السياق أشار الباحث السياسي الأمريكي توماس فريدمان قائلاً: “القيادة الإسرائيلية الحالية تفشل في معالجة القضايا الداخلية وتستخدم الحرب كدرع للتهرب من المحاسبة”.

المقاومة في غزة خيار الصمود في وجه العدوان
تدرك المقاومة الفلسطينية أن ما يواجهه نتنياهو ليس مجرد حرب عسكرية بل معركة سياسية للبقاء في الحكم، ويمكن تسميتها حرب سلامة نتنياهو. ولهذا فهي تدير المواجهة وفق رؤية استراتيجية تتجاوز مجرد الدفاع العسكري حيث تتمسك بمطالبها المشروعة بإنهاء العدوان ورفع الحصار ، و كما قال القائد السوفيتي في معركة ستالينغراد: “أمامكم موت محتمل، وخلفكم موت أكيد”، وهذا واقع  المقاومة الفلسطينية في غزة التي  لا تملك خياراً آخر سوى الصمود حتى النهاية ومواجهة العدوان بكل ما أوتيت من قوة.

جيش الاحتلال في أزمة: تراجع المعنويات وغياب الأهداف
لم يعد الجيش الإسرائيلي كما كان يُروج له فقد كشفت الحرب المستمرة حجم الخلل في قدراته حيث يعاني من:
    •    تراجع معنويات الجنود بسبب طول أمد الحرب وعدم تحقيق أي أهداف واضحة.
    •    تزايد الانتقادات الدولية بعد توثيق جرائم الحرب ضد المدنيين في غزة.
    •    انقسامات داخل القيادة العسكرية بين من يرى أن الحرب لم تحقق مكاسب ومن يضغط لمزيد من التصعيد خدمةً لمصالح سياسية.

جيش الاحتلال في أزمة
حتى كبار القادة العسكريين مثل جادي إيزنكوت أدركوا أن نتنياهو لا يبحث عن حل للأزمة بل يستغل الحرب لمصالحه الشخصية ما جعل الجيش الإسرائيلي في مواجهة انتقادات غير مسبوقة داخليا وخارجيا ، كما أحرج الإدارة الأمريكية التي اضطرت للدفاع عنه في مواجهة العدالة الدولية ، و في هذا السياق قال جون كيري وزير الخارجية الأمريكي الأسبق: “إن سياسة نتنياهو تعرض إسرائيل لخطر أكبر من أي وقت مضى فقد جعلت العالم كله يشكك في أخلاقيات جيشها”.

ما قاله يعالون: خيانة المسؤولين وعدم كفاءة القيادة
الوزير السابق في حكومة نتنياهو موشيه يعالون أضاف إلى الصورة السياسية المعقدة من خلال تصريحاته الصريحة حول الأزمة الحالية ، يعالون الذي شغل منصب وزير الدفاع في الماضي اتهم حكومة نتنياهو بـ“خيانة المسؤولين” وعدم الكفاءة في التعامل مع الأمن الوطني الإسرائيلي وهو ما يزيد من تعقيد الوضع الداخلي ، كما دعا إلى ضرورة تبني استراتيجية أمنية شاملة بعيداً عن سياسة المساومات السياسية التي تعتمدها الحكومة الحالية.

بعد 466 يوما من المجازر وحروب العدوان: فشل نتنياهو في تحقيق أهدافه
جرب نتنياهو وجيشه 466 يوماً من المجازر وحروب الإبادة والعدوان وفشل نتنياهو في تحقيق أهدافه العسكرية والسياسية ، رغم الدمار الهائل الذي خلّفته الحرب لم تُحقق إسرائيل أي نصر استراتيجي أو أمني، بل على العكس تفاقمت أزماتها الداخلية وازدادت عزلتها الدولية ،و بدلاً من تحقيق “الأمن” المزعوم أصبحت إسرائيل أكثر انكشافا أمام العالم.

كلما اهتزت حكومته أشعل جبهة جديدة
كلما اهتزت حكومته أشعل نتنياهو جبهة جديدة سواء في غزة أو في محاور أخرى ، كانت هذه الحرب بالنسبة له وسيلة للهروب من ضغوطات الأزمات الداخلية محاولا توجيه الانتباه إلى الخارج بدلاً من الداخل لكن في النهاية وجد نفسه أمام خيار المذلة حيث اضطر إلى العودة إلى طاولة المفاوضات في صفقة تبادل مذلة.

نتنياهو وبن غفير: تحالف الحرب من أجل البقاء
من أبرز أسباب استمرار العدوان على غزة هو تحالف نتنياهو مع رموز التطرف اليميني وعلى رأسهم إيتمار بن غفير الذي يشترط استمرار الحرب لدعم حكومة نتنياهو ، فالحرب هنا ليست خياراً استراتيجيا  بل وسيلة لضمان التحالفات السياسية داخل الحكومة الإسرائيلية.

 حرب بلا أهداف وكرسي بلا شرعية

كلما اقتربت نهاية نتنياهو السياسية أشعل حرباً جديدة لكنه هذه المرة يخوض معركة يائسة، حيث بات مكشوفاً أمام العالم أنه لا يسعى لحماية إسرائيل بل لحماية نفسه الحرب لن تنقذ نتنياهو لكنها ستجعل سقوطه أكثر دموية وإدانة.

هذا المقال يعبر عن وجهة نظر صاحبه، ولا يعبر بالضرورة عن وجهة نظر وكالة صدى نيوز.