
العالم الذي سمح بحرب الإبادة يتسامح مع استئنافها
في خضمّ استغلالها لكامل الحصانة الّتي تتمتّع بها بفعل اختلال الموازين والمعايير القانونيّة والأخلاقيّة، في عالم أطلق يدها (إسرائيل) في حرب إبادة استمرّت 15 شهرًا، ويعود ليناصرها مجدّدًا في استئناف هذه الحرب، رغم انقلابها الواضح على اتّفاق وقف إطلاق النار المشفوع بضمانات دوليّة وبرعاية الدولة الأقوى في العالم ورئيسها الأهوج دونالد ترامب، فضحت المناشير الّتي قام بتوزيعها جيش دولة الاحتلال على أهالي غزّة، ومضامينها على غرار "لا أحد سيهتمّ أو يسأل عنكم، وستواجهون مصيركم المحتوم وحدكم، ولن تتغيّر خارطة العالم لو اختفى سكّان غزّة جميعهم، وأميركا وأوروبا لا تعيران غزّة أيّ اهتمام"، فضحت النفاق وازدواجيّة المعايير الدوليّة مثلما أفصحت عن نوايا مبيّتة ومعلنة بالتهجير عبر دعوة السكّان "مغادرة القطاع طوعًا قبل أن يتمّ فرض خطّة ترامب بالتهجير بالقوّة".
ومن المفارقة أن يكون الانقسام الأعمق حول خرق وقف إطلاق النار واستئناف الحرب في إسرائيل ذاتها، وليس في أيّ مكان آخر في العالم الواقع تحت سطوة هيمنة حكم ترامب الداعم والراعي لليمين الدينيّ الاستيطانيّ الإسرائيليّ الّذي يقوده نتنياهو، والّذي يوفّر له غطاء استئناف الحرب وتحقيق هدف تهجير أهالي غزّة وتحويلها إلى "ريفييرا" الشرق الأوسط الّتي يريد.
ويبدو أنّ نتنياهو الّذي كان عالقًا بين سموترتش الّذي يريد استئناف الحرب وترامب الّذي يضع تحرير الأسرى الإسرائيليّين كأولويّة، قد نجح في إقناع الأخير بأنّ مشروعه بشأن غزّة لن يتأتّى باستمرار الالتزام ببنود اتّفاق الصفقة والانتقال إلى مرحلتها الثانية الّتي ستثبت السيطرة الفلسطينيّة على غزّة، بل باستئناف الحرب وفرض خطّة التهجير خاصّته بقوّة السلاح كشرط لتحقيق حلمه في السيطرة على أرضها وتحويلها إلى منتجع سياحيّ، وربّما يستدعي ذلك الاكتفاء بالشواطئ وترك المساحة المتبقّية لسموترتش لإقامة المستوطنات عليها.
الانقسام في إسرائيل كان واضحًا هذه المرّة، خاصّة وأنّ أهداف نتنياهو الشخصيّة والحزبيّة بدت شفّافة، حتّى إنّ العديد من المقالات الّتي زخرت بها الصحف الإسرائيليّة قد سخرت من الحملة العسكريّة المتجدّدة، ووصفتها بـ"حملة إعادة بن غفير للحكومة" أو "حملة إنقاذ نتنياهو" وإنقاذ حكومته الّتي تواجه تحدّي قانون إقرار الميزانيّة في ظلّ مشاكل في الجناح الحريديّ بسبب قانون التجنيد، وهو ما تأكّد فعلًا بعودة بن غفير للحكومة في ذات اليوم، وتأتي بإقرار قانون التسويات المرتبط بالميزانيّة أمس الأربعاء.
المحلّل العسكريّ آفي يسسخاروف كتب في هذا السياق، " أمس بعد وقت قصير من عودة بن غفير للائتلاف الحكوميّ تساءل العديد من موطني إسرائيل، فيما إذا كان استئناف الحرب والتسبّب بانهيار وقف إطلاق النار نتج عن أسباب أمنيّة عمليّاتيّة، أم عن أسباب سياسيّة مرتبطة برئيس الحكومة بنيامين نتنياهو عشيّة التصويت على الميزانيّة، مضيفًا، مرّة أخرى تسأل عائلات إسرائيليّة نفسها، إذا ما دخل أبناؤها وبناتها لحرب برّيّة في غزّة وقتل جنود هناك، فيما إذا كان السبب مرتبطًا بصالح دولة إسرائيل أم باستقرار ائتلاف نتنياهو الحكوميّ.
وبدون شكّ أنّ نتنياهو الّذي استعدّ لهذه اللحظة، قام باستبعاد رئيسي الموساد دادي برنيع والشاباك رونين بار عن المفاوضات وهما المؤيّدان لاستئناف المرحلة الثانية من الصفقة، ومحاصرة ثمّ الإعلان عن فصل رئيس "الشاباك" رونين بار من منصبه، إضافة إلى التخلّص من رئيس أركان الجيش هرتسي هليفي المعارض لاستئناف الحرب وتعيين خلفًا له من كان سكرتيره العسكريّ الجنرال إيال زمير،" الّذي تخلّى عن مواقفه، وتحوّل إلى بوق وخادم لنتنياهو ليصبح قائدًا للأركان، على حدّ تعبير الجنرال يتسحاق بريك، وذلك عندما صرّح أنّ سنة 2025 ستكون سنة حرب يجري فيها تقويض حماس، وعندما وافق على إقامة حكم عسكريّ، وعلى تولّي الجيش الإسرائيليّ مسؤوليّة توزيع المعونات الإنسانيّة في غزّة، وهو ما كان قد رفضه كلّ من غالانت وهليفي، هذا ناهيك عن استئناف الحرب وإسقاط المرحلة الثانية من الصفقة كما يريد بنيامين نتنياهو.
بريك الّذي كان قد تنبّأ منذ البداية بعدم جاهزيّة الجيش الإسرائيليّ للحرب، ولم يتفاجأ من فشله في تحقيق أهدافها، عاد وأكّد في مقال نشرته "معاريف" بعد استئناف الحرب، إنّ الجيش الإسرائيليّ لا يستطيع تقويض حماس ولا إقامة حكم عسكريّ لاستبدال سلطتها، لأنّ ذلك يتطلّب احتلال قطاع غزّة وبقاء قوّاته فيها لفترة طويلة. ويضيف بريك أنّ قائد الجيش يعرف بأنّ قوّاته المهنيّة غير قادرة على تفجير مئات الكيلومترات من الأنفاق وأنّ تجدّد القصف على غزّة لن يترك مخطوفين أحياء في هذه الأنفاق.

صمتوا دهراً و نطقوا كفرا

هذا هو الواقع، فماذا نحن فاعلون؟

ترامب وزبانيته من المهاجرين

كرّر كلمة "النصر" 654 مرّة وحقّقه على الجبهات الأخرى وعَلِق في غزّة...

مذبحة غزة لن تنقذ إسرائيل من نفسها

الاحتجاجات في غزة: بين صرخة المعاناة وحسابات المرحلة

رحيل الحوراني، زقطان و"الحوت": صمت لا يُشبههم
