المواجهة الشاملة ودبلوماسية حافة الهاوية !
مقالات

المواجهة الشاملة ودبلوماسية حافة الهاوية !

منذ توليه منصبه في يناير 2025، أعاد ترامب تطبيق سياسة “الضغط الأقصى” ضد إيران، والتي شهدت خلال فترته الأولى انسحاب الولايات المتحدة من اتفاق تاريخي بشأن البرنامج النووي الإيراني،وإعادة فرض العقوبات على طهران،الاحتكاكات بين الولايات المتحدة وإيران تتزايد دون وجود أي مؤشر على بدء مفاوضات بشأن البرنامج النووي الإيراني، مع تهديد من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بشن هجوم إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق، حالة الجمود المستمرة تزيد من خطر وقوع مواجهة عسكرية مباشرة في الشرق الأوسط المتوتر بالفعل، وتتفاقم التهديدات بين واشنطن وطهران،اذ هدد ترامب بقصف غير مسبوق لإيران،إذا لم تذعن وتوقع على اتفاق جديد للحد من برنامجها النووي،فيما حذرت إيران من هجوم مضاد وقوي،ردا على إي عمل عسكري امريكي ضدها،يمكن القول بأنه عودة الخطاب المتشدد بين واشنطن وطهران لم يكن مفاجئًا، خاصة بعد عودة الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى البيت الأبيض. فقد كان ترامب معروفًا بموقفه المتشدد تجاه إيران، وهو الذي انسحب من الاتفاق النووي عام 2018 وأعاد فرض عقوبات قاسية عليها، تهديده بقصف إيران يأتي في سياق محاولة فرض معادلة جديدة في الملف النووي الإيراني، حيث تسعى إدارته إلى انتزاع تنازلات أكبر من طهران مقارنة بما تم الاتفاق عليه في عهد بايدن، رد الحرس الثوري الإيراني برسالة تحذيرية يؤكد أن طهران لن ترضخ بسهولة لأي ضغوط عسكرية أو سياسية، كما أن التهديد بالرد الحاسم يشير إلى أن إيران مستعدة لتوسيع المواجهة إذا تعرضت لأي هجوم، وسبق أن استخدمت إستراتيجية الرد غير المباشر عبر وكلائها في المنطقة مثل الحوثيين وحزب الله وبعض الأحزاب الشيعية في العراق التي تتلقى دعما إيرانيا، ما يعني أن أي تصعيد أميركي قد يؤدي إلى موجة هجمات جديدة على مصالح واشنطن وحلفائها في الشرق الأوسط تصعيد متوقع وليس مفاجئًا، فما مدى جدية تهديدات ترامب؟ وما قدرات إيران العسكرية على الرد حال تعرضت لهجوم؟

تظهر الأوضاع الحالية في الشرق الأوسط تطورا دراماتيكيا في التحركات العسكرية والتنسيق بين الولايات المتحدة وإسرائيل،وسط تحليلات تكشف عن اقتراب ساعة المواجهة الشاملة وتنفيذ ضربة مشتركة ضد المنشات النووية الإيرانية،وباتت الخيارات العسكرية جزءا أساسيا من استراتيجيات البلدين،التحركات العسكرية الأخيرة،بما في ذلك إرسال حاملات الطائرات إلى منطقة الشرق الأوسط من قبل وزارة الدفاع الأمريكية،تعد بمثابة أشارة قوية  بأن واشنطن مستعدة لتفعيل إجراءات حاسمة وفتح أبواب الجحيم ضد إيران بوتيرة متسارعة،وذلك يترافق مع التنسيق العسكري بين واشنطن وتل أبيب،الأمر الذي يشير بأن الولايات المتحدة قد تشرع بشن ضربات ضد المواقع النووية الإيرانية في غضون الأسابيع القليلة القادمة وعلى ابعد تقدير خلال مدة لا تتجاوز الشهرين،فهناك قرار حاسما لدى الولايات المتحدة وإسرائيل يقضي بمنع إيران من امتلاك قدرات نووية عسكرية،وقد أصبح هذا الهدف جزءا من الإستراتيجية الأمريكية والإسرائيلية للحد من نفوذ إيران في المنطقة،على الرغم من وجود بعض الدبلوماسية وفتح قنوات تواصل غير رسمية،وهي ما يمكن تسميتها بدبلوماسية حافة الهاوية،إلا أن التصعيد العسكري يبقى على الطاولة كخيار رئيسي،إيران من جانبها تواجه ضغوطا داخلية وخارجية،فعلى الصعيد الداخلي يعاني الاقتصاد الإيراني من أزمة خانقة نتيجة العقوبات الغربية،هذا التدهور الاقتصادي يعكس حجم الضغوط التي تواجهها إيران،مما يدفعها لتكون أكثر مرونة في التفاوض،فرغم أن النظام الإيراني لا يزال يحاول الحفاظ على إستراتيجيته النووية من خلال زيادة مستوى تخصيب اليورانيوم لدرجة 60%،الأمر الذي أثار قلق دوليا واسعا حول نوايا طهران العسكرية،إلى إن إيران مستعدة للهبوط استراتيجيا،وظهر ذلك من خلال إعلان المسئولين الإيرانيين برغبتهم بالتفاوض مع الولايات المتحدة بطريقة غير مباشرة وهنا يثور تساؤل هل من الممكن تجنب الحرب مع ايران؟.  

يبدو أنَّ إستراتيجية الردع الإيرانية فقدت من مصداقيتها خلال الثمانية عشر شهرًا الماضية منذ اندلاع الحرب الإقليمية الشرق الأوسط،ومع ذلك لا تزال لدى طهران وسائل عسكرية كبيرة،بإمكانها أن تحدث دمارا هائلا خارج حدودها، من خلال استخدام الصواريخ والمسيرات والعمليات غير النظامية،ومن الممكن أن يكون الهدف المحتمل لمثل هذه الهجمات القواعد العسكرية الأمريكية خارج الولايات المتحدة الأمريكية. وفي هذا الصدد قال يوم الاثنين الماضي العميد أمير علي حاجي زاده، وهو قائد القوة الجوفضائية في الحرس الثوري الإسلامي: "الأمريكيون لديهم على الأقل عشر قواعد في المنطقة المحيطة بإيران وفيها أكثر من 50 ألف جندي. وهذا يعني أنَّهم في بيت من زجاج،بالتزامن مع إعلان مسؤول عسكري إيراني لصحيفة ديلي ميل البريطانية بـان إيران ستستهدف أيضا القاعدة العسكرية البريطانية الأمريكية في جزيرة دييغو غارسيا في حال تعرضها لهجوم أمريكي،وكذلك قال علي لايجارني مستشار المرشد الأعلى في تصريح تلفزيوني،في حال تعرض إيران للهجوم لن يكون أمامها سوى خيار امتلاك أسلحة نووية،مما يرفع الرهان من جديد ويبرز المزيد من التصعيد،ولكن بهذا الصدد لا بد من الإشارة بأن إيران اكتشفت مؤخرا،أنها تتحمل قسطا وافرا من المسؤولية عما ألت إليه معادلات القوة وتوازناتها،بسبب فشل سياسة الصبر الاستراتيجي التي انتهجتها إيران،وتحريم القنبلة النووية،التردد في إدارة كلا الملفين وضع إيران في موقف صعب داخل غرف التفاوض،ولكنها لم تفقد جميع أوراقها،فطبيعة الرد الإيراني على أية ضربة أميركية كفيلة بإحداث فارق كبير،إذا كانت إستراتيجية الرد مركزة وكثيفة وفورية ضد أهداف إستراتيجية،فأنها كفيلة بإحداث انقلاب في المشهد الإقليمي.                  

ما من شك في أنَّ الولايات المتحدة الأمريكية ستنتصر في أي نزال عسكري مع إيران النصر سيؤدي إلى عمليات عسكرية واسعة النطاق ومتواصلة نسبيًا، مع خسائر بشرية أمريكية كبيرة، واحتمال شن هجمات على حلفاء الولايات المتحدة الأمريكية ومقدّراتهم الإستراتيجية. وبالتالي فإنَّ الحرب ستؤثر كثيرًا على الاقتصاد العالمي،لقد اتضح تماما أن القيادتين في أمريكا وإسرائيل تعتبران أن هذا الوقت الأنسب لاستغلال هذه الظروف التي تمرّ بها إيران للسعي لإنهاء مشروعها النوويّ، ولكن تلك المحاولة ستصطدم بالحاجة إلى التنسيق مع الحلفاء الغربيين،الذين تشن إدارة ترامب حربا اقتصادية ضدهم، وتعزيز الدفاعات الصاروخية والجوية في المنطقة، وإلى تعاون شركاء أمريكا في المنطقة عسكريا واقتصاديا، لسد إمكانيات وقف صادرات النفط عبر إغلاق طهران لمضيق هرمز،فسيناريو «الجحيم» (على حد تعبير ترامب) المجال لتصعيد غير مسبوق في التوتّرات السياسية والاقتصادية والأمنية في العالم، يتراوح بين احتمال صدّ إيران لتداعيات ذلك الهجوم، وإعادة العمل الحثيث على صنع قنبلة نووية؛ واحتمال أن يتداعى النظام برمّته، مما قد يؤدي لتغيّرات كبرى في الأوضاع الجيوسياسية في مجمل المنطقة.   

إن تهديد ترامب قد يكون جزءًا من إستراتيجية (تفاوض قسرية) تهدف إلى دفع إيران للجلوس على الطاولة بشروط أميركية أكثر تشددأً،وإعادة ترميم الردع الأميركي بعد ضربات إسرائيل ضد أيرن، واشنطن قد تحاول إعادة تثبيت خطوطها الحمراء، خاصة بعد نجاح إسرائيل في توجيه ضربات دقيقة داخل الأراضي الإيرانية في الأشهر الماضية، مما أثبت ضعف الردع لإيران.

أما احتمالات الحرب المباشرة لا تزال منخفضة، لأن إيران تدرك أن المواجهة المباشرة مع الولايات المتحدة ستكون مكلفة جدًا. بالمقابل، واشنطن لا تريد الانجرار إلى حرب طويلة الأمد، خاصة في ظل التحديات التي تواجهها في أوكرانيا والبحر الأحمر. لكن احتمال تصعيد غير مباشر عبر هجمات إيرانية في المنطقة وارد جدًا، وقد نشهد هجمات عبر الحوثيين في البحر الأحمر أو ضربات ضد القواعد الأميركية في العراق وسوريا كرد فعل على أي تصعيد أميركي،ما نشهده هو لعبة عض الأصابع بين واشنطن وطهران، حيث يحاول كل طرف إجبار الآخر على تقديم تنازلات دون الوصول إلى صدام مباشر، لكن المخاطر تظل عالية إذا ما قامت أمريكا بتوجيه ضربة لإيران،وخرج الهجوم العسكري عن السيطرة في حالة قررت إيران الرد.

مما سبق نخلص إلى القول، إن  الحرب إذا اندلعت، فلن تتوقف عند ضرب البرنامجين النووي والصاروخي، ولا عند تقليم أظافر حلفاء طهران ومخالبهم، الحرب، بتداعياتها، لن تقف إلا في حالة انقلاب تامة على النظام والجمهورية الإسلامية، وإيران تأمل اشتعال الإقليم، وواشنطن تخطّط إشعال الداخل الإيراني. وبين هذين السيناريوهين، تبدو مقولات، من نوع “الصبر الاستراتيجي”، أو “التدرج وضبط النفس”، مفرَغة من أي معنى، وعواقبها وخيمة على أصحابها،فالتداعيات ستكون بعيدة المدى وتطال كل منطقة الشرق الأوسط،وستقلب التوازنات الإقليمية،وستؤدي الضربة الى اضطرابات إقليمية يصعب السيطرة عليها،ولكن يظهر إن إيران وفي إعقاب المؤتمر الصحفي المصغر في البيت الأبيض بالأمس ورد الرئيس الأمريكي ترامب على أسئلة الصحفيين المتعلقة بالملف الإيراني،إذ قال إن إيران تجري مفاوضات مباشرة مع الإدارة الأمريكية ،وان أولى الجلسات ستنطلق يوم السبت،هذا التصريح إن صح،فانه يظهر بوضوح إن إيران تخشى الدخول في حرب مفتوحة،وبالتالي انزلقت نحو مفاوضات ستكون هي الطرف الخاسر فيها بلا شك،وأن سياسة الضغوط القصوى والاختبار بالنار والخوف التي اتبعتها أمريكا قد نجحت فعلا في دفع إيران إلى طاولة التفاوض،ولكن وفي عالم الاستشراف والنبوءة لن يعرف الشرق الأوسط الهدوء لعقود مقبلة،وأنه يمكن لأمريكا إشعال الحرب ضد إيران،لكن السنة اللهب ستمتد لتحرق الجميع،دون إن نعرف من يملك القدرة على إطفاء هذا الحريق الهائل.

هذا المقال يعبر عن وجهة نظر صاحبه، ولا يعبر بالضرورة عن وجهة نظر وكالة صدى نيوز.