ما تستدعيه الذكرى الـ20 لـ"خطة الانفصال"
مقالات

ما تستدعيه الذكرى الـ20 لـ"خطة الانفصال"

تصادف هذا الصيف ذكرى مرور 20 عاماً على تطبيق ما عُرف باسم "خطة الانفصال عن قطاع غزّة وأجزاء من شمال الضفة الغربية" أحاديّة الجانب، والتي شملت تفكيك مستوطنات غوش قطيف في القطاع، وصاغها رئيس الحكومة الإسرائيلية السابق أريئيل شارون، واشتبك من أجلها مع حزبه الليكود، إلى حدّ الانفصال عنه أيضا، وتأسيس حزب يمين - وسط جديد هو كاديما. كما اشتبك مع اليمين الإسرائيلي المتطرف، الذي عاد أخيراً إلى الدفع قدمًا بخطة إعادة إقامة هذه المستوطنات. وكان من أبرز إسقاطات هذه الخطّة على المستوى الخارجي ركل "عملية التسوية"، واستمرار تجاهل الطرف الفلسطيني شريكاً ذي صلة في المفاوضات.

 

ومنذ تلك الخطة وصولا إلى المرحلة الراهنة، ومع انتهاء فترة تولّي "كاديما" سدة الحكم في إسرائيل، وعودة حزب الليكود برئاسة بنيامين نتنياهو إليها عام 2009، ثمّة حرصٌ على توكيد أن الخطّة أكّدت ابتعاد شارون عن فكر "الليكود" وحلم "أرض إسرائيل الكبرى"، فمثلا في ذكرى مرور أربعة أعوام على تطبيق الخطة، أعلن نتنياهو، في جلسة الحكومة الإسرائيلية المنعقدة يوم 9/8/2009، أن تفكيك مستوطنات استعمارية إسرائيلية من جانب واحد خطـأ مريع ولن يتكرّر.

ولم ينحصر اعتبار تفكيك مستوطنات غزّة من جانب واحد الخطأ بعينه في نتنياهو، فبالتزامن مع تصريحات الأخير، أعلن أحد أقطاب حزب العمل، وهو الوزير بنيامين بن إليعازار، في مقابلة إذاعية (14/8/2009)، أن الانفصال عن غزّة من جانب واحد، والذي اندرج حزبه في عداد المؤيدين له، كان خطأ فادحاً ينبغي عدم تكراره، بسبب الفشل في إيجاد أنموذج يمكن أن يغري الآخرين بالتوصل إلى تسوية مع إسرائيل عن طريق "تظاهر الأخيرة باستعدادها لأن تهدم مستوطنات بنتها بنفسهـا"!

ولقد اعتبر بعضهم أن ما أفضى إلى مقاربة الانفصال تلك صراع بين أوساط في الليكود وأحزاب اليمين المتطرّف. هذا الصراع أجمله وزير السياحة الاسرائيلي السابق وأحد أقطاب الصهيونية الدينية، بيني ألون، بقوله إنه صراعٌ بين أصحاب "النزعة الأمنية" (بزعامة شارون نفسه) وأصحاب "النزعة العقائدية"، بدون أن يعني ذلك، في العمق، إسقاط الصبغة العقائدية الصهيونية عن أصحاب النزعة الأولى.

وفي ضوء التطورات التي أعقبت هذا الصراع يمكن تلمّس ارتفاع في منسوب نفوذ أصحاب النزعة الثانية على حساب انخفاض نفوذ أصحاب النزعة الأولى في عملية اتخاذ القرار الإسرائيلي. وتوازى مع ذلك تحوّل الليكود أكثر فأكثر إلى حركة قومية دينية بفعل دور المستوطنين فيه، وهو ما دفع المعلقين الإسرائيليين للشروع في الحديث عن "ليكود أشد تطرّفاً"، وربما لهذا السبب سبق أن قالت الوزيرة المقرّبة من شارون، تسيبي ليفني، إن "الليكود" وقع "في قبضة أياد معادية".

ينبغي التذكير كذلك بأنه في أوج محاربة الانسحاب من سيناء، في 1981- 1982، نشر الحاخام إيلي سدان (أحد منظّري الصهيونية الدينية) مقالاً تحت عنوان "لنؤسس من جديد الدولة اليهودية". وقد رفض سدان بصريح العبارة فهماً يرى في "أرض إسرائيل" ملجأ أمنيّ فقط ولا يرى فيها "فرضاً أو هدفاً دينيّاً".

ولاحقاً، كتب منظّرٌ آخر من التيار نفسه في صحيفة المستوطنين "نكودا" أن التعاون مع الصهيونية العلمانية من طرف الصهيونية الدينية أفلح في الاستمرار، لأن الأولى تبنّت بصورة واضحة فكرة الوطنية اليهودية. وإذا ما اتجهت الأمور نحو تحويل إسرائيل إلى دولة علمانية ديمقراطية لا يوجد لليهودية مكان في سياستها، فإن ذلك سيشكل خيانة لجذور الحياة اليهودية، حتى وإن كان ذلك على أيدي من يتحدّثون اللغة العبرية.

هكذا، في مقدرتنا القول إنه منذ الانسحاب من سيناء وحتى الانفصال عن غزّة، جرت مياه كثيرة في صفوف الجماعة الواحدة. ولكن لم يكن في جوهرها ما يمسّ المسلمات الصنمية لإسرائيل والعقيدة الصهيونية، بل بقينا نشهد محاولاتٍ جارفة لإعادة هذه المسلّمات إلى موقع الصدارة الذي يبدو أنه اهتز بتأثير جهود التسوية، ولكن مؤقتاً.

هذا المقال يعبر عن وجهة نظر صاحبه، ولا يعبر بالضرورة عن وجهة نظر وكالة صدى نيوز.