
المقاومة ...آن الأوان لإعمال العقل (2-2)
(1) المصلحة العامة وعقلنة فعل المقاومة
ينطلق تحديد الصالح العام في إطار معركة التحرير الوطني والبناء الاجتماعي من الغايات أو النتائج المتوخاة أنْ يخدمها مَنْ يتولها السلطة التأطيرية للجماهير وقيادتهم "الحركة الثورية" أو تُوكل إليه؛ وذلك لضمان مشاركة المواطنتين في معركة التحرير، وتعزيز صمودهم، وتقوية مناعتهم تجاه تعسف الاحتلال، والاستفادة الواسعة من مقدرات المواطنين وقدراتهم في المشاركة الفاعلة في أتون المعركة التي يختارها ويتفق عليها المواطنون أو من يتولى السلطة التأطيرية "القوى الثورية الطلائعية/ الفصائل السياسية العسكرية".
تشير قواعد المسلكية الثورية إلى أنّ هدف الحركة الثورية هو مصلحة الجماهير "أيّ المصلحة العامة"، وإنْ امتلكت الحركة الثورية "القوى الثورية الطلائعية" حرية وضع برنامجها لتحقيق أهدافها واختيار الشكل الذي تريده للنضال وتطوير قواعدها الذاتية إلا أنّها تواجه دائما ظروفا موضوعية خارجة عن إرادتها؛ لذا يتطلب احتساب القوى على حقيقتها والعمل على اختيار الأساليب الأكثر ملاءمة كي تصبح مُحصلة القوى لصالح الثورة، أي بمعنى آخر أنّ النضال على أساس فهم الظروف الموضوعية كجزء من المجال السياسي والعسكري تفرض اكتشاف الأساليب والطرق التي بواسطتها يمكن التغلب على الظروف الموضوعية وخلق مناخ مواتٍ لمسيرة الثورة.
وبذلك فإنّ محددات المصلحة العامة/ مصلحة الجماهير تنطلق من مسألتين؛ الأولى: مسألة "المعقولية" أيّ ما ينسجم مع مقاصد النضال الوطني وغاياته المتمثلة بالتمتع بالاستقلال والحرية وإقامة الدولة للشعب الفلسطيني في هذه البلاد، أو كونه منطقياً أيّ يحترم القواعد والوسائل والأدوات التي يستقل العقل البشري في الكشف عنها أو الحكم بحُسنها. والثانية: مسألة "الشرعية" أيّ القبول العام لدى أغلبية المواطنين/ الجماهير للقوى الثورية الطلائعية، والحوز على رضاهم عن أعمال السلطة التأطيرية التي تتولى إدارة السياسية واتخاذ القرارات وأفعالها وأدواتها وأساليبها ووسائلها.
وفي هذا الإطار فإنّ القدسية تُمنح للحق أيّ "الحق بالمقاومة" بالمعنى المطلق، فيما ممارسة الحق بالمقاومة أيّ أشكالها وأدواتها ووسائلها وأساليبها متاح فيه النقاش والنقد والتقييم والمراجعة لكل مرحلة وظرف ذاتي وموضوعي و/أو موقع جغرافي ومتطلباته، كما هو الحال بالحق المتعلق بحرية الرأي والتعبير لكن التقييدات تأتي على وسائل أو أدوات وأشكال التعبير؛ وذلك لضمان الوصول إلى الغايات المتوخاة من هذا الحق أو ذاك دون حصول تأثيرات سلبية جانبية أثناء ممارسة هذا الحق.
(2) تلاعب الفصائل في تحديد أشكال المقاومة
تلاعبت الفصائل الفلسطينية بالنصوص في اتفاقيات المصالحة على مدار 20 عاماً، أيّ منذ آذار/ مارس 2005 إلى إعلان بكين في تموز/ يوليو 2024 بالتأكيد على الحق دون الاتفاق على أشكال المقاومة ووسائلها وأساليبها. ففي العام 2005 نص إعلان آذار/ مارس 2005 على "أكد المجتمعون على حق الشعب الفلسطيني في المقاومة من أجل إنهاء الاحتلال" وفي إعلان موسكو 2019 اتفقوا على "التأكيد على حق شعبنا في مقاومة الاحتلال بكل السبل والوسائل المشروعة" فيما في إعلان بكين 2024 فقد تم النص في البند 3 فقرة ب على "حق الشعب الفلسطيني في مقاومة الاحتلال وانهائه وفق القوانين الدولية وميثاق هيئة الأمم المتحدة وحق الشعوب في تقرير مصيرها بنفسها ونضالها من أجل ذلك بكل الأشكال المتاحة".
في ظني أنّ الأدوات التأطيرية الحكيمة/ القوى الثورية الطلائعية تنظر بعناية في مسألة تبني وسائل وطرق وأشكال وأساليب لممارسة الحق بالمقاومة تتناسب مع قوة الدفع للشعب الفلسطيني؛ فلا خلاف على أنّ المقاومةَ حقٌ مقدسٌ أو قيمةٌ إنسانيةٌ عليا للشعب الفلسطيني وشعوب العالم الحر، إنّما المجدالة عادة في فعل المقاومة أيّ أدواتها وسائلها وأساليبها وأشكالها، وأيّاً منها أنجع وأقل تكلفة أو بمعنى أدق يُجنب المواطنين المخاطر المحدقة بالقضية وبالبشر في آن.