ابتزاز الهولوكوست: حين يتحوّل الجلاد إلى ضحية مزعومة
مقالات

ابتزاز الهولوكوست: حين يتحوّل الجلاد إلى ضحية مزعومة

في واحدة من أكثر التصريحات إسفافاً وابتذالاً شنَّ يائير نتنياهو نجل رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو هجوماً  حاداً على الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لمجرد حديثه عن إمكانية اعتراف بلاده بدولة فلسطينية  لم يتردد نجل نتنياهو في استخدام لغة سوقية بعيدة كل البعد عن الدبلوماسية فكتب لماكرون: “اذهب إلى الجحيم، وتباً لك” وراح يُعدّد المناطق الفرنسية التي يطالب بانفصالها وكأن فرنسا مستعمرة عظمى بينما إسرائيل تُمارس “الحرية” في احتلال شعب آخر منذ أكثر من سبعة عقود.

هذا الهجوم السافر لا ينبع من فراغ بل من عقلية استعمارية زرعها فيه والده مجرم الحرب نتنياهو ترى في أي مطالبة بالعدالة للشعب الفلسطيني “عداءً للسامية” وتعتبر أن على العالم وتحديداً أوروبا أن تظل ساجدة أمام ذاكرة الهولوكوست مهما ارتكبت إسرائيل من جرائم ومجازر.

لكن السؤال الأخلاقي العميق الذي يجب أن يُطرح هنا: هل يتحمّل الأوروبيون المعاصرون وزر جريمة ارتكبها نظام نازي قبل أكثر من 80 عامًا؟ وهل من العدل والمنطق أن يبقى العالم الغربي رهينةً لهذا الذنب التاريخي فيقدّم لإسرائيل الغطاء السياسي والدعم العسكري والاقتصادي بصمتٍ مخزٍ على مذابح تُرتكب بحق الشعب الفلسطيني يومياً ؟.

الهولوكوست واحدة من أبشع الجرائم في التاريخ لا شك في ذلك ولكن تحويلها إلى أداة ابتزاز سياسي لتبرير الإبادة الجماعية في غزة والضفة الغربية هو جريمة بحد ذاتها ، ما يحدث اليوم في فلسطين ليس مجرد صراع بل عدوان عسكري مدروس واحتلال ممنهج وتطهير عرقي موثّق بالصوت والصورة وباعتراف منظمات دولية مستقلة.

إن الرئيس ماكرون في موقفه الأخير لم يتبنَّ طرحاً  راديكالياً بل عبّر عن موقف متوازن يحترم القانون الدولي: “نعم لأمن إسرائيل، نعم لدولة فلسطينية، لا للعنف ”، وأكد أن الطريق الوحيد للحل هو سياسي قائم على مبدأ الدولتين ، فهل يُعقل أن يُقابل هذا الطرح بهجوم مليء بالحقد والازدراء من قادة اسرائيلين ؟.

العار لا يقع على فرنسا بل على من يطالبها بالتخلي عن قيمها الديمقراطية ومبادئها في الحرية والعدالة ليقف إلى جانب احتلال دموي لا يحترم بشراً  ولا حجراً ، العار أن يُطلب من أوروبا أن تُسكت ضميرها وتغض الطرف عن مشاهد المجازر في غزة لأن الجاني يرفع راية “النجاة من المحرقة” و يرتكب محرقة أبشع .

لقد آن الأوان لأوروبا أن تتحرر من عقدة الذنب ، و أن تدرك أن دعم فلسطين ليس موقفاً  ضد اليهود بل هو موقف ضد الظلم و أن تعي أن دولة تحتل وتقتل وتجوع وتمنع الدواء لا يمكن أن تكون ضحية مهما ادّعت ذلك.

فرنسا اليوم أمام لحظة اختبار تاريخية فإما أن تظل وفيّة لقيم الثورة الفرنسية: حرية، مساواة، إخاء، أو أن تُسقط هذه القيم تحت أقدام التحالف مع التطرف الإسرائيلي ، أما يائير نتنياهو ومن يمثلهم فقد كشفوا مجدداً وجههم الحقيقي: لا يريدون سلاماً ولا اعترافاً متبادلاً بل يريدون احتلالاً  أبدياً بلا تكلفة ودعماً  بلا شروط وخنوعاً غربيا باسم الهولوكوست.

كفى ..كفى استخداماً لدماء الماضي لتبرير سفك دماء الحاضر كفى صمتا على جريمة العصر و موقف الرئيس ماكرون المقدر من كل احرار العالم يجب ان يحمله كل رؤوساء العالم و ليس أوروبا وحدها .

هذا المقال يعبر عن وجهة نظر صاحبه، ولا يعبر بالضرورة عن وجهة نظر وكالة صدى نيوز.