التحريض سلاح ذو حدّين
مقالات

التحريض سلاح ذو حدّين

للدعايات والأخبار الكاذبة قوّة تأثير، بل وصعوبة محو تأثيرها حتى بعد كشف الكذبة وتفنيدها. فلا بدّ أن يبقى لها أثر في ذهن من تلقّاها. الكذبة أو الدّعاية تُصنع للحظة بعينها، قد تكون يومًا أو أيّامًا، وقد تستمرّ سنوات قبل كشفها، ولكنّها تكون قد فعلت المطلوب منها وحقّقت هدفها، ولن ينفع بعدها النّدم، فعادةً ما تكون الدّعاية الكاذبة لتحقيق أهداف خبيثة، وذلك أنّ الحقيقة الجميلة أو الطيّبة لا تحتاج إلى الكذب أو التّغطية عليها، بينما تحتاج الأعمال السّيئة، وحتّى الإجراميّة، إلى الكذب لتغطيتها.

تأخذ الدّعاية أبعادًا جديدة في عصر التّقنيات العالية في وسائل التّواصل، القادرة على تزييف اللّفظ مع الصّورة، وتزييف المواقع وإعادة مونتاجها لتبدو حقيقيّة، يقودها من يُطلق عليهم "المؤثّرون".

يتعرّض النّظام الجديد في سورية إلى حملة تحريض وتشويه قويّة، والذّريعة الأولى هي الإصرار على أنّ أحمد الشّرع "داعشي"، ويرفض بعضهم تقبّل اسمه الشّخصي أحمد الشّرع، ويصرّ على كنيته الحركيّة "أبو محمد الجولاني"، بهدف التّذكير بماضيه مع تنظيم داعش وجبهة النّصرة، ووضعه في صفّ واحد مع أبي مصعب الزّرقاوي وأبي بكر البغدادي وأبي عمر الشّيشاني، وهذا يعني مشاهد تطبيق الشّريعة الإسلاميّة في الحياة اليوميّة التي طبّقها ما عُرف في حينه بـ"الدّولة الإسلاميّة في الشّام والعراق".

صحيح أنّ النّظام الجديد يحمل طابعًا إسلاميًّا، ولكنّه بعيد جدًّا عن الدّاعشيّة، وهو أقرب إلى نموذج العدالة والتّنمية التّركي.

الحقيقة أنّ أكثر الدّول العربيّة تحمل في أنظمتها طابعًا إسلاميًّا، والأعراف الاجتماعيّة في معظمها هي المهيمنة، والتي تُطبّق من غير تدخّل الدّولة في معظم المناطق، وخصوصًا فيما يتعلّق بالقضايا الجنائيّة الكبيرة، مثل الجرائم الجنسيّة وجرائم القتل.

التّحريض الأساسي في سورية هو التّخويف بأنّ النّظام ارتكب وينوي ارتكاب جرائم بحقّ الأقليّات، لمجرّد أنّهم مختلفون في الدّين والطّائفة، من المسيحيّين والدّروز والعلويّين وغيرهم من الطّوائف، وينادي أصحاب هذه الأصوات كحلٍّ مرضٍ للجميع بدولة علمانيّة مدنيّة كبديل يحفظ حقوق الأقليّات.

بلا شكّ أنّ الدّولة المدنيّة التي يحلم بها اللّيبراليّون على طريقة دول مثل الدّنمارك وبلجيكا وفنلندا وأيسلندا وكندا وغيرها، هي دعوات جميلة وورديّة، حيث يجري في الدّولة المدنيّة فصل الدّين عن الدّولة، وتمارس الشّعائر الدّينيّة في البيوت أو في أماكن العبادة، من غير تدخّل أحد في معتقد الآخر، والجميع متساوون تحت قانون واحد. هذا جميل في الخيال والأدبيّات المكتبيّة،

ولكنّ الواقع أن من حارب نظام الأسد ودفع الثّمن الأكبر، ليس اللّيبراليّون، ولا الدّيمقراطيّون، ولا الشّيوعيّون، ولا القوميّون العرب، بل إنّ أكثريّة المثقّفين العرب صمتوا عن جرائم النّظام، وبعضهم قدّم له المبرّرات، وأسهم في دعايات الشّيطنة التي بثّها النّظام لمعارضيه.

هنالك ديمقراطيّون دفعوا الثّمن، وعُذّبوا، وقُتل بعضهم لمعارضتهم نظام الأسد، ولكن الثّمن الأكبر دفعه أولئك الذين واجهوا جيش الأسد والقوى الخارجيّة الدّاعمة له. دفعت أسرُهم ومدنُهم وقراهم الأثمان الباهظة، ومقابل كلّ ديمقراطيّ أو ليبراليّ واحد قُتل، كان هناك ألفٌ من التّيّارات الإسلاميّة ومن غير المنتمين لأيّ تيّار.

ولو بقي السّوريّون من غير سلاح، ومعتمدين على مقالات ديمقراطيّة تُنشر في صحف الخارج، وعلى حملة تواقيع، ووقفة رفع شعارات أمام السّفارات، لبقي الأسد ونظامه إلى الأبد، كما وَعَد السّوريّين.

يتعرّض الرّئيس السّوري أحمد الشّرع ونظامه إلى حملة شيطنة، سببها أنّ هناك من يرفضون قبول التّغيير وفقدان امتيازاتهم وأمجادهم التي بنوها على أنقاض مواطنين سوريّين آخرين. كذلك فإنّ كثيرين من المجرمين، من الضبّاط والسّجّانين وشبّيحة النّظام من أقليّات وغير أقليّات، يحاولون التّملّص من الامتثال للقضاء، أو أن يحصلوا على ضمانات دوليّة بعدم محاكمتهم، ولهذا فهم يرفعون أصواتهم بالصّراخ عن مجازر ضدّ الأقليّات، واضطهاد النّساء.

هذا المقال يعبر عن وجهة نظر صاحبه، ولا يعبر بالضرورة عن وجهة نظر وكالة صدى نيوز.