نميمة البلد: إدارة النجاح في امتحان الحرية واحترام الابداع
كَتب جهاد حرب - مما لاشك فيه أن إدانة منع إدارة جامعة النجاح استكمال الاحتفال بانتهاء حملة 16 يوما لمناهضة العنف ضد المرأة بوقف العرض المسرحي لفرقة عشتار أمرا واجباً، ليس فقط لأنه منع حرية التعبير، وأنه عنف ضد المرأة، أو إهانة للحكومة الفلسطينية التي كانت ممثلة حضورياً بوزيرة شؤون المرأة، أو مساً بعلاقة الجامعة مع مؤسسات دولية، بل بسبب حيًد إدارة الجامعة عن مهمة الجامعة الأساسية والمتعلقة بكونها مركز اشعاع معرفي وثقافي حاضنة لطلبتها، ومُعْليه لقيم الحرية الملهمة للإبداع، وأداة لأحداث التغيير في المجتمع.
على الرغم من أن بيان جامعة النجاح قال "إن ما حدث خلال حفل اختتام فعاليات حملة الـ 16 يوماً لمناهضة العنف القائم على النوع الاجتماعي لا يمثل سياسة الجامعة، وان لجنة التحقيق قد بدأت عملها"، إلا أن ذلك يطرح سؤالا جوهريا حول ألية اتخاذ القرار وكيفية اتخاذه ومدى الارتجالية في هذه العملية، وكذلك حول هوية الجامعة دورها في المجتمع.
فكينونة الجامعة لا تكتفي بتخريج الطلبة في العلوم على اختلاف أنواعها وهو أمر هام. لكن مهمتها الاساسية هي صهر ثقافات متعددة ومتنوعة لمجتمعات الطلبة لخلق مجتمع أكثر تنويرا وحرية وتعددية وديمقراطية عن المجتمعات والبيئات القادمة منها طلبتها "الذكور والاناث" ودون ذلك تصبح الجامعة "فقاسة للخريجين" بشهادات اكاديمية دون القدرة على الاشعاع أو احداث تغيير أو المساهمة في احداث التغيير سواء في الوعي الوطني أو المجتمعي.
ان قبول الاخر أحد أهم ركائز مجتمع الجامعة؛ فمن غير المعقول الاحتجاج بقوانين الجامعة التي أعلنها عميد كلية الفنون الجميلة لنفي الاخر خاصة أن الامر هنا يتعلق بحرية التعبير، ومن المفترض انه الاعلم من غيره في إدارة الجامعة بحرية التعبير بأشكال الفن المختلفة. هذا الامر يثير الشكوك في كيف يمكن أن يكون من يمنع عملا فنيا مؤتمنا على الابداع في الفنون التي هي جميلة وفقا لمسمى الكلية. وكأنه أُستخدم لقتل الإرث الفني الذي قدمه طوال مسيرته الفنية والأكاديمية وقتل الكلية التي هو مسؤول عنها.
وفي السياق ذاته يبدو ان بعض أعضاء إدارة الجامعة تعتقد أن الجامعة ملكا شخصيا أو خاصا لها، وهو امر غير مقبول حتى للجامعات المملوكة لشركات خاصة. فعلى الرغم من أن الطلبة يدفعون رسوما مقابل الحصول على التعليم لكن الجامعة ذاتها ملكية عامة للمجتمع الفلسطيني على اختلاف توجهاته، وتقدم خدمة التنوير فيه. وهي بذلك لا يمكنها أن تتخلى الجامعة عن كونها أداة تغيير قيمية المفضي للحرية كقيمة عليا، وللإبداع كمفهوم اجرائي، دون ذلك تتحول الجامعة الى "فقاسة خريجين" لا يستفاد منهم في المجتمع، ولا تقدم إضافات نوعية. وفي ظني ان إدارة جامعة النجاح الوطنية، إثر وقف عرض العرض المسرحي لفرقة عشتار، في امتحان الحرية واحترام الابداع بإعلان نتائج التحقيق واتخاذ إجراءات قاصية بحق كل من ساهم باتخاذ مثل هكذا قرار.