نتنياهو العربي بامتياز
مقالات

نتنياهو العربي بامتياز

"من عاشر القوم أربعين يوم" أصبح منهم، هكذا يقول المثل الشعبي العربي.
ينطبق هذا المثل على بنيامين نتنياهو، الذي يتفاخر بأنه حقق اختراقات مهمة على صعيد العلاقة مع عدد من الدول العربية. يعاشر نتنياهو العرب، منذ اليوم الأول لنجاحه في رئاسة الوزراء عام 1996، سواء كان ذلك عبر التخيلات والأوهام، او بالاستفادة مؤخراً من تدهور الأوضاع العربية، التي تمكنه من إجراء اتصالات مع بعض الدول.

العلاقة مع بعض الدول العربية، التي بدورها تمارس هذه العلاقة، الشاذة، تتم ببطء، وتردد، وخجل، والاهم بما ينتاب المطبعين من العرب، من خوف إزاء مشاعر جماهيرهم ومجتمعاتهم.
يمكن لنتنياهو ان يتفاخر، بهذا الإنجاز الكسيح، ويمكن له ان يتفرغ وهو لا يجد ما يفعله في السجن لأن يكتب مذكراته، ويضمنها إشعاراً، ومخطوطات أدبية، تتغنى بإنجازه، لعل ذلك يفرد لتاريخه المليء بالجرائم، صفحة من صفحات تاريخ الحركة الصهيونية.

نتنياهو ينتمي سلوكياً الى طبقة الزعماء العرب، الذين يمسكون بالسلطة بأظافرهم وأسنانهم، والذين ينظرون لأنفسهم على انهم المخلدون الذين لا يغادرون مواقع الزعامة الا الى القبر، بسبب المرض، او طول العمر، او بسبب انقلاب او ثورة.

الديمقراطية بالنسبة لنتنياهو وأمثاله، تسير وفق المثل القائل "انت حر ما لم تضر" وحين تلحق به ضرراً، فان الديمقراطية تتحول الى مؤامرة وخداع.

حين يتعلق الأمر، بمصيره، ومستقبله السياسي والشخصي تصبح الدولة عقيمة، وقضاؤها فاسداً، ومنحازا، وشرطتها، ومحققوها، متآمرين. عند العرب أمثال نتنياهو، يحيلون المؤامرات التي تستهدفهم   الى العوامل الخارجية، لكنهم لا يفعلون شيئاً إزاء مواجهة تلك العوامل، ويصبح الشعب هو الضحية، وعليه ان يدفع الثمن.

يختلف نتنياهو عن أقرانه في هذه النقطة، فالكل في الداخل متآمر عليه، القضاء والشرطة، وازرق ابيض، وليبرمان، وجدعون ساعر، وربما لاحقا ستقع المسؤولية على المستوطنين الذين لا يقومون بثورة لاجتثات كل هؤلاء وترك الساحة فقط للزعيم المكلف من الرب.
الكل يوجه له الانتقادات والإهانات، ويطالبونه بالاستقالة وإفساح الطريق أمام إمكانية تشكيل حكومة بمشاركة الليكود لكنه يرفض، ويتشبث ببراءته، وبالكرسي.

حين لا تنجح كل محاولاته، لإنقاذ نفسه من مقصلة القضاء الذي يتهمه بالفساد وخيانة الأمانة، لا يمانع نتنياهو في ان يغلق كل الطرق والسبل، حتى ينتهي الأمر الى انتخابات ثالثة في غضون اقل من عام، لعلها تمنحه أشهراً أخرى لن يتوقف خلالها عن القيام بأي شيء لإنقاذ نفسه.

أولى ضحايا هذا الزعيم المتعجرف سيكون الليكود الذي سيواجه انتخابات داخلية على زعامته، قبل نهاية هذا الشهر، ولكن ايا كانت النتائج سواء لصالحه او لصالح منافسه ساعر فان الحزب سيشهد شرخاً كبيراً في صفوفه.
في آخر استطلاعات للرأي، ظهر ان الليكود بزعامة نتنياهو يمكن ان يحصل على واحد وثلاثين مقعداً، فيما يحصل منافسه "ازرق- ابيض" على سبعة وثلاثين مقعدا.

ان حصل ذلك، وقد يحصل فعلاً، فإن ذلك سيكون بداية الرحلة نحو الطريق الذي سلكه حزب العمل مؤسس إسرائيل، الذي اصبح بالكاد يحصل على ما يزيد على نسبة الحسم بقليل.

الطبقة السياسية في إسرائيل هي في حالة تحول من سيطرة الأحزاب المركزية، ومرحلة القيادات التاريخية الفاعلة الى مرحلة المجموعات الطارئة والزعامات ضعيفة الخبرة.
اسرائيل لا تعيش ازمة نظام حكم انتخابي فقط، بل ان هذه إرهاصات التناقض المتزايد بين ادعاء الديمقراطية وبين حقيقة العنصرية وطبيعة الاحتلال.

وفي هذا السياق، يترتب على قادة الحركة الصهيونية ان تحضر نفسها للتعامل مع المتغيرات الدولية القادمة التي ترشح إمكانية إزاحة الولايات المتحدة عن عرش النظام العالمي، وهو ما يتنبأ به الدكتور طلال ابو غزالة، الذي يحذر من إمكانية نشوب حرب عالمية جديدة العام القادم بين الولايات المتحدة والصين التي تتقدم بقوة نحو ان تصبح الدولة الأعظم.

سيقول المنبهرون بالقوة العسكرية والتكنولوجيا الإسرائيلية ان هذا مجرد هراء، وان إسرائيل تشكل قوة، تصنف على أنها تحتل الرقم ثمانية بين الدول، لكن القوة لا تقاس الا بالقوة العسكرية ولا حتى بالاقتصادية، ذلك ان إسرائيل تفتقد الى القيم وتفتقد الى العراقة، وأصالة التاريخ، ويفتقد مجتمعها الى الكيمياء.

إسرائيل قوية حين تكون أميركا الأقوى وحين يكون العرب متشرذمين ضعفاء، وحين يكون الفلسطينيون أيضاً في الوضع الذي هم فيه حتى الآن.

هذا المقال يعبر عن وجهة نظر صاحبه، ولا يعبر بالضرورة عن وجهة نظر وكالة صدى نيوز.