يَحمون إسرائيل أم يُعمقون كراهيتها !
اتجاه اليمين المتطرف الذي يحرز انتصارات في أوروبا (منها فوز المحافظين في انتخابات بريطانيا قبل أيام) بعد نجاحهم في الولايات المتحدة (فوز ترامب العام 2016) هو في تجريم كل من ينتقد إسرائيل، معتبرين القيام بذلك شكلاً من أشكال معاداة السامية.
الرئيس ترامب قام مؤخراً بتوقيع أمر رئاسي اعتبر فيه اليهودية ليست فقط "ديناً" ولكنها أيضاً "هوية وطنية"، وبالتالي قام بتحويل يهود أميركا الى أقلية عرقية. الهدف من ذلك، هو استغلال القانون الأميركي الذي يحمي الأقليات العرقية لصالح إسرائيل من خلال تهديد الجامعات الأميركية بحرمانها من أية مساعدات حكومية إذا ما فشلت في وقف أي تمييز بحق "اليهود".
الأمر الرئاسي يعتبر أن أي انتقاد لإسرائيل في الجامعات الأميركية هو تمييز بحق أقلية عرقية، "اليهود الأميركيين".
الحقيقة أن الرئيس ترامب يتعامل مع يهود أميركا باعتبارهم مواطنين إسرائيليين وليسوا أميركيين. في نيسان الماضي خاطب ترامب مجموعة من اليهود الأميركيين المساندين للحزب الجمهوري قائلاً: أنا أساند رئيس وزرائكم بنيامين نتنياهو في قرار ضمه للجولان!
وفي آب الماضي اتهم ترامب كل من يصوت للحزب الديمقراطي من يهود أميركا بأنه يفتقد إلى الولاء لإسرائيل. وفي خطاب له في فلوريدا امام المجلس الأميركي الإسرائيلي قبل أسبوعين كرر ما قاله بأن من يختار التصويت للديمقراطيين يختار عدم الولاء لإسرائيل!
ترامب لا يرى اليهود الأميركيين، كمواطنين، ولكنه يعتبرهم إسرائيليين. هو يجردهم من مواطنتهم الأميركية، وبالتالي يكون السؤال: مَن حقاً يعادي السامية؟ هل هم من ينتقدون إسرائيل على جرائمها بحق الفلسطينيين أم هم أولئك الذي يرفضون الإقرار بأن يهود أميركا، هم أميركيون!
الميل لحماية إسرائيل بتحصين عدم انتقادها بذريعة أن ذلك فيه عداء للسامية، مثلما يجري اليوم في بريطانيا من خلال تجريم حركة المقاطعة ضد إسرائيل، هو في حقيقته قمة العداء للسامية وهو يكشف أن ما يهم الساسة اليمينيين في الغرب، ليس الحرص على اليهود وعلى حقوقهم، ولكن مجاراة اليمين الاسرائيلي في سياساته حتى لو كان ذلك على حساب اليهود في أوروبا وأميركا.
إغلاق الطريق في وجه منتقدي إسرائيل بذريعة أن في ذلك معاداة للسامية، يعني تلقائياً أن يهود أوروبا وأميركا ليسوا مواطنين في البلاد التي يعيشون فيها ولكنهم مجرد "جالية إسرائيلية"، ولهذا تداعيات خطيرة إذا ما استحضرنا ألمانيا النازية.
يكفي أن لا يتم التعامل مع شريحة من البشر في دولة ما على أنهم ليسوا مواطنين لاتخاذ إجراءات بحقهم تحرمهم من حقوقهم ومن إنسانيتهم.
إجراءات حماية إسرائيل في الغرب هي في حقيقتها جرائم ليس في حق الفلسطينيين فقط، ولا في حق القوانين الدولية التي تحمي حرية التعبير عن الرأي، ولكنها جرائم بحق اليهود ايضاً حتى وإن بدا الآن بأنها في صالح دعم بعضهم لسياسات إسرائيل.
في الجانب الآخر من المسألة، عندما يتم إغلاق الباب في وجه كل من يريد أن يتضامن مع الشعب الفلسطيني من خلال الدعوة لمقاطعة إسرائيل، ألا يدفع ذلك الكثيرين للتطرف والى ممارسات لا تتفق مع التقاليد الديمقراطية في العمل السياسي؟
كيف يمكن إغلاق منافذ العمل السياسي السلمي ومن ثم الادعاء أولاً بأن هذه الدول لا تزال ديمقراطية، وثانياً بأن هنالك تطرفاً في مواجهة إسرائيل؟
اوَ ليس التطرف إن حصل هو نتاج لهذه السياسات غير الديمقراطية ولازدواجية المعاير؟ أو لنقل لهذا السقوط المدوي لبعض الساسة الغربيين الذين لا يكترثون إلا لمصالحهم الآنية الخاصة؟.
اليهودية هي دين وهي هوية لمن يريد أن يعرف عن نفسه بدينه، لكنها بالضرورة ليست هوية وطنية.
الهوية الوطنية لها علاقة بلغة مشتركة، ببقعة جغرافية تجمع جماعة بشرية ببعضها، بتاريخ مشترك، ويمكننا القول بجواز سفر أيضاً يحمله صاحبها.
يهود أوروبا وأميركا بهذا المعنى مثلهم مثل كل مواطني الدول التي يعيشون فيها، وبالتالي لا علاقة بين انتقاد إسرائيل والدعوة لمقاطعتها ومحاسبتها على استمرار احتلالها للأراضي الفلسطينية وعلى جرائمها بحق الفلسطينيين وبين معاداة السامية التي تشتمل على سلوك وكلام معاد لليهود ولليهودية كهوية.
الساسة الغربيون الذين يدعون قيامهم بحماية إسرائيل، هم في حقيقة الأمر يمارسون ويحرضون على ممارسة الكراهية ضد إسرائيل وهم لا يكترثون بذلك لأن في إسرائيل من يطبل لهم ويعتبر ما يقومون به نجاحاً لسياساتهم ولتأثيرهم "المخيف" العابر للقارات.