نميمة البلد: بوادر الانقلاب الثاني... وسلطة الدولة الخانعة
مَثَّلَ اجتماع "الخليل" العشائر، وفقا لتسميتهم، السبت الفارط بوادر الانقلاب الثاني على السلطة الفلسطينية، وهو "هذا الاجتماع" يشبه ما قامت به مجموعات حركة حماس المسلحة بمحاصرة منزل العقيد في الامن الوقائي محمد غريب واغتياله وهو من معه من العائلة في شهر يناير 2007. إن وجه الشبه بين الحادثتين يتمثل أولا: بانهما بداية انقلاب على قيم الدولة المنصوص عليهما في وثيقة الاستقلال والقانون الأساسي؛ ففي حالة الأولى القيام بمحاصرة منزل آمن بقوة مسلحة بخلاف القانون واستخدام القوة المسلحة غير المشروعة في تصفية الحسابات السياسية، أما الحالة الثانية بالتحريض على قوى مجتمعية كالمؤسسات النسوية والمؤسسات الإعلامية، وتحرض الموظفين للامتناع عن تطبيق القانون بمخالفة صريحة لأحكام القانون الفلسطيني.
وثانيا: أن أجهزة السلطة الفلسطينية والنفاذ القانون فيها كانت ضعيفة وخائفة وخانعة غير قادرة على الدفاع عن قيمها وأحكام القانون وعن تصرفاتها التي تحتكم اليه. ففي حالة محاصرة منزل محمد غريب لم تتحرك أجهزة الامن المدججة بالعتاد والسلاح لضمان حياة المواطنين ولم تدافع عن أحد ضباطها (إن كان قد أخطأ في عمله فالعقاب من سلطة أجهزة انفاذ القانون) وما يهددهم من قتل ودمار وراهنت قيادة السلطة الفلسطينية آنذاك على وساطات أدت في النهاية الى قتل محمد غريب ومن معه وللاستسلام لحكم المجموعات المسلحة. وفي حالة اجتماع الخليل لم تقم أجهزة السلطة، على مدار الأسبوع الماضي، باتخاذ أية إجراءات لمنع إمكانية الاعتداء على مدراء المدارس أو العاملين والعاملات في المؤسسات النسوية أو العاملين والعاملات في القضاء الشرعي.
ولم تقم أجهزة السلطة الفلسطينية وقياداتها السياسية بالتصدي لهذه الخطوة وفقا لقيم الدولة المؤتمنين عليها والدفاع عنها، وهي القيم المنصوص عليها في وثيقة اعلان الاستقلال الفلسطيني (تمتع الفلسطينيين بالمساواة الكاملة في الحقوق، وصون معتقداتهم الدينية والسياسية وكرامتهم الإنسانية، ونظام ديمقراطي برلماني، وحرية الرأي، وحرية تكوين الأحزاب، والعدل الاجتماعي، والمساواة وعدم التمييز في الحقوق العامة على أساس العرق أو الدين أو اللون أو بين المرأة والرجل، وسيادة القانون، والقضاء المستقل)، ناهيك عن احكام القانون الأساسي الذي يترجم هذه القيم بنصوص دستورية في مقدمتها المادة 9 منه والتي منه " الفلسطينيون أمام القانون والقضاء سواء لا تمييز بينهم بسبب العرق أو الجنس أو اللون أو الدين أو الرأي السياسي أو الإعاقة".
في المقابل، من غير المقبول حجر حرية التعبير، بأشكاله المختلفة في القول أو الرسم أو التجمع السلمي، عن أي شخص طبيعي أو معنوي؛ بمن فيهم "العشائر" كجزء اصيل من المجتمع الفلسطيني، لمعارضة اتفاقية مناهضة جميع اشكال التمييز ضد المرأة أو غيرها من القضايا، بل وجب ضمان أجهزة انافذ القانون لحقهم بالتعبير عن الرأي.
لكن أجهزة الدولة كالعادة لم تستطع الدفاع عن القانون وقيم الدولة الفلسطينية؛ فجاء صوتها خافت بتصريح مقتضب من رئيس الحكومة في بداية جلستها الاثنين الفارط، ودون أن يتضمن أي ادانة للتحريض وخطاب الكراهية. فيما بقية أجهزة انفاذ القانون بقيت غائبة؛ على ما يبدو في موافقة صامتة على ما جرى مكررة ما ذهبت اليه أجهزة السلطة الفلسطينية عام 2007، ومنتظرة تدحرج "كرة النار" للمدن الأخرى أي الانقلاب الثاني هذه المرة على قيم الدولة وقوانينها وليس فقط على أجهزتها. ففي قطاع غزة "كرة النار" تدحرجت وصولا الى استخدام القوة المسلحة للسيطرة على أجهزة السلطة الفلسطينية في قطاع غزة، والخشية في الضفة الغربية من تدحرجها في مناطق تخضع لحكم العشائر أكثر من حكم القانون أو أن حكم القانون في بعضها له دور تكميلي.