عام الأعوام الفاصلة!
كل منّا لديه قدرة ما على الاستشراف، وكل منا يطمح دائماً نحو رفع مستواها وزيادة كفاءتها، خصوصاً إذا كان مهتماً ونشطاً ومثابراً في حقل السياسة والعلوم الاجتماعية، وإذا كان يرى في ما يقوم به من أعمال، وما ينتج من معارف وأفكار، وما يستوحي من مبادرات وتطويرات تُسهم في تطوير مجتمعه وتساعد في تقدمه.
لكن ليس الجميع على نفس درجة الاستعداد للإفصاح عن كل هذا المكنون، إما لأنه يخشى الخطأ ويتحرج من الأحكام، ويفضل «حفظ خط الرجعة»، أملاً في البقاء ضمن دائرة تقبل الوجه ونقيضه، او تحتمل التفسير بأكثر من معنى، وتدل على اكثر من مغزى .. وإما لأن الاستشراف في واقع هائج وفي ديناميات اجتماعية متسارعة، وفي وقائع متلاطمة ومرتطمة هنا وهناك مسألة صعبة. دون أي خواص ثابتة، او مواصفات راسخة، او حتى نزعات مكرسة، قابليات النكوص ماثلة للعيان وإمكانيات النفاذ الى منطقة جديدة ما زالت غامضة، وأما الوصول الآمن الى منطقة مريحة غير موجودة، والمراوحة في المنطقة الغامضة ليست عودة لا في الزمان ولا في المخارج ولا طرق النجاة.
في مثل هذا الواقع ينطوي الاستشراف على «مخاطر» عدة، ويتعرض العقل الصحافي والسياسي والإعلامي، وربما قبله الفكري والثقافي الى مغامرة ما بصرف النظر عن كل محاولات ان تكون مغامرة محسوبة.
عنوان هذه المغامرة العقلية هو ان العام ٢٠٢٠ سيكون عام الأعوام.
فيه ومن خلاله سيتحدد مصير الكفاح الوطني لشعبنا وفي ثنايا أيامه ستتقرر وجهات ومآلات حقوقه وأهدافه، في هذا العام بالذات سنرى ان كنا قد وصلنا الى عام الحقيقة او ان كانت هذه الحقيقة قد تجاوزتنا دون ان ندرك أننا قد وصلنا أصلاً.
في هذا العام بالذات ستحدد لنا الوقائع على الأرض ان كنا قادرين على صنع المستحيل او أننا كنا قادرين على صنع المستحيل الآخر…!
في هذا العام بالذات سنكتشف ان كنا ندرك حق الإدراك، وان كنا نعرف حق المعرفة ما هي إسرائيل والى أين تسير والى متى يمكن أن تسير. وفي هذا العام بالذات سنفهم أن كانت الولايات المتحدة ستنتصر على العالم بالانتصار علينا أولاً او بهزيمة مشروعنا أولاً ثم الانتقال الى قائمة طويلة في كل هذا الإقليم.
وفي هذا العام بالذات ستفهم إسرائيل من نكون نحن، والى أين نسير والى متى نستطيع المسير. أميركا نفسها في هذا العام تريد ان تعرف ذلك كله.
في هذا العام سنعرف وربما نشاهد قطاع غزة وقد فصل عن الوطن، والضفة التُهمت، والقدس من وراء حجاب، والداخل في أتون حرب عنصرية مستعرة.
في هذا العام بالذات سنكتشف ان عواصم الزبد العربي قد أسلمت نفسها للغاصبين، وسنكتشف ان قلة قليلة وربما بعيدة عن ساحة الجريمة ستجاهر رفضاً بالصوت المبحوح.
في هذا العام بالذات سنكتشف كم هانت علينا تضحياتنا وكم قدمنا دون ان نتقدم، وكم حاولنا وحاولنا دون ان نراجع ولو لمرة واحدة ان كانت هذه المحاولة بالذات هي محاولة فاشلة، ولم تكن ضرورية أصلاً، ولا لمرة واحدة.
في هذا العام بالذات سنكتشف (ربما كل على طريقته) ان الكفاح الوطني لشعبنا قد تاه في العقود الثلاثة الماضية بين فكرة الإشعاع بالثورة الى فكرة الجاه والسلطة، الى فكرة المال والأعمال في خط مستقيم وثابت ولكنه متعرج في المسار المعاكس فقط.
في هذا العام بالذات سندرك اكثر مما أدركنا طوال تلك العقود أننا لم نحاسب ولم نراجع، ولم نستدرك كما يجب وبما يكفي.
في هذا العام بالذات علينا ان ندرك من نحن والى أين سنصل. أقصد في هذا العام أيضاً وبالذات نستطيع إذا أردنا أيضاً ان ندرك ما نريد وان نحدد مسارنا من جديد. والسؤال لماذا هذا العام بالذات؟
الأمر ليس أحجية، ولا يتعلق بالعرافين والعرافات، وليس هناك «بعد» علوم جديدة في حقل الأبراج السياسية ..! العالم في حالة مخاض، واليمين في الولايات المتحدة يعيد او يحاول إعادة ترتيب هذا العالم وفق مصالح تحالف رأسمالي جديد سيكون الأداة الصلبة للحروب والأزمات وإعادة تقاسم النفوذ.
إسرائيل في هذا العام ستتخذ مسارها نحو مسار هوية جديدة، العالم العربي سيضطرب اكثر من أي وقت وستطير عروش وتأتي قوى جديدة ليس لديها تجربة ولا رغبة في التسلط.
في هذا العام بالذات سيشهد العالم حروباً سياسية على الشرعيات الدولية، وستقام أحلاف جديدة على جانبي الاستقطابات الجديدة. في هذا العام لا يستطيع أحد الهروب من الأزمات الاقتصادية والاجتماعية التي ستنتج عن كامل هذا المخاض.
تعالوا معاً نفكر معاً كيف لنا ان نقسو جميعاً على الحركة الوطنية الفلسطينية لتفكر معنا في كل ما يحيط بنا من مخاطر وأهوال.
تعالوا كلنا ومعاً لنحاسب وننتقد بشدة ودون دجل وفي الوجه مباشرة علنا لننقذ هذه الحركة من غيبوبة العقل المخدر.
لماذا لا نعتبر أننا بدلاً من ان نخاف على «فتح» ويجب أن نبدأ بالخوف منها من الآن فصاعداً لأنها لم تراجع ولم تحاسب ولم تتحمل كما يجب عبء الاستنهاض وهمة إعادة الإقلاع.
ولماذا لا نحاسب اليسار ونهزه من رأسه حتى قدميه على الغياب وعلى مغادرة ميدان الفكر وحرية الانحياز؟
لماذا لا نلوم الإسلامويين وهم علماء أبواب تأجير قرآنهم لكل من يشتري ويبيع/ ولكن من يحفظ لهم دور السلطة والتسلط؟ لماذا لا نقاوم الظلم والفساد والإفساد، ولماذا نسكت عن الأمراض التي فتكت بنا وتنخر في عظامنا؟؟
في هذا العام بالذات سنعرف ان كنا جديرين فعلاً برؤية بعض من هذا كله قبل فوات الأوان.
ليس صعباً وليس مستحيلاً ان ننهض، ولدى كل من يخاصمنا أزمات كبيرة وربما اكبر من أزماتنا، ولديهم من أزمات المستقبل اكثر من الحاضر، بعكس ما لدينا تماماً. هم في أزمة الهبوط أما نحن فليس لدينا غير الصعود إذا اردنا امتلاك القدرة على المعرفة والوعي والاستنهاض.
وكان يمكن ان يكون عنوان هذه المقالة:
في هذا العام بالذات سنعرف ان كنا على قدر المهمة أم انه بعد عام كامل سيكون كل شيء قد أخذ طريقه نحو غياب الوطن.