أزمة جامعة بيرزيت، لا غالب ولا مغلوب
مقالات

أزمة جامعة بيرزيت، لا غالب ولا مغلوب

شهدت جامعة بيرزيت أربع أزمات سبقت الأزمة الحالية بين إدارة الجامعة والحركة الطلابية ممثلة بمجلس الطلبة، وتبدو الأزمة الحالية الأصعب بعد مرور أكثر من عشرين يوماً على بدئها خلال الشهر الماضي، في ظل عدم وجود مبادرات خلّاقة ومتوازنة من أصحاب الواجب، لتزويد الطرفين بالسُّلم الذي يمكنهما من النزول من قمة الشجرة التي صعدا إلى أعلاها باتجاه الحوار.
المبادرات محدودة. فمبادرة وزارة التعليم العالي عدا عن كونها متأخرة؛ مثَّلت أقصى درجات الاحتشام والحياد، لا تغني أو تسمن من جوع، يجول في أفقها الاعتبار السياسي ممثلا بالانتخابات الطلابية القادمة.
أما مبادرة لجنة العاملين الداعية إلى الحوار المتوازي مع فتح الأبواب المغلقة، فلم يكن مقدراً لها التحليق بسبب رفضها من قبل الحركة الطلابية المتعللة بالحوارات التي عُقِدت ضمن وضعية الأبواب المغلقة بإحكام في 2013 و 2016. أخطأت الحركة الطلابية في رفض المبادرة كون التوجه للحوار لا ينتقص من قيمة ما يمثلونه، بل يُسجل لهم تنازلهم الديمقراطي لصالح الطلبة الرافضين لوقف العملية التعليمية، المقدرة نسبتهم بربع المسجلين في الجامعة اعتماداً على نسبة المشاركين بالانتخابات الأخيرة والمقدرة 73%. الرفض سيسجّل على المجلس بعدم الاحتكام لما تقتضيه الديمقراطية التي أتت بهم إلى المجلس.
القوى السياسية وهي في مركز المشهد؛ لم تدلِ بدلوها الجدّي ولم تتدخل مباشرة حتى اليوم، بصفتها تمسك بخيوط مجلس الطلبة، ويُنتظر منها الكثير لكونها تستطيع أن تقرر استمرار الأزمة أو وضع حد لها.
عودة إلى الإضرابات والاحتجاجات السابقة، حيث اتسمت جميعاً بالمطالب النقابية، إلا أن الإضراب الأخير بدأ وطنياً، كون جذر الشرارة التي وقفت خلف توتّر الأجواء العامة ورتبت الاصطفافات؛ يعود الى نتائج التحريض الصهيوني الدولي على حق شعبنا في النضال الوطني المشروع وتقرير المصير والخلاص من الاحتلال، من خلال توزيع الصور والتقارير المصورة للاستعراضات العسكرية في حرم الجامعة، بالملابس ومجسمات الأسلحة، في إطار احتفالات منظمة في انطلاقات الفصائل والأحزاب، ما جعل إدارة الجامعة تلجأ لإصدار بيان خاص تمنع فيه الاستعراضات العسكرية في الجامعة، كرد فعل على مواقف بعض الأطراف الدولية.
لقد أخطأت إدارة الجامعة في عدم وضع القيادة الطلابية في صورة الحملة التحريضية التي تشنها إسرائيل دوليّاً على شعبنا وقواه الوطنية من أجل إدراج النضال الفلسطيني في سياق الإرهاب العالمي وفتح المواجهة الدولية ضدنا وتأثيرها على الجامعة، حيث ينجح الاحتلال في ابتزاز الدول تارة ويخفق في أحايين أخرى، إنها المعركة المفبركة التي يعمل عليها الاحتلال في السياق الدولي، التي علينا مواجهتها موحدين.
لا ريب أن الحال سيكون أفضل لو شاركت إدارة الجامعة قيادات الكتل الطلابية بما تواجهه على صعيد الابتزاز الإسرائيلي وانعكاساته على نضال شعبنا أولاً، وعلى انتصار قضيته وهزيمة الاحتلال وسعيه لعزل نضالنا والتأثير على شبكة تحالفاتنا في الساحات الخارجية، المواجهة التي نعوّل عليها الكثير في حسم التأييد والتضامن الدولي مع قضيتنا، دون تجنب نقاش سعي المحتل وتأثيره على تجفيف الموارد المالية ومنها تمويل الجامعات الذي يصب حتماً في فائدة طلبتها والنهوض بمرافقها وبالعملية التعليمية.
وإن كان من كلام صريح يُقال بشأن الأشكال المتبعة في المناسبات الوطنية، فأعتقد أن الكتل الطلابية مطالبة بتطوير هذه الاشكال داخل أسوار الجامعة، ليس لمنع الاصطياد الاسرائيلي الممنهج في المياه الدولية الملوثة بالادعاءات حول معاداة السامية فقط، بل باتجاه أن تخاطب وعي جمهور الطلبة والارتقاء به وتحفيزهم نحو العمل المؤطر والمنظم المتناسب مع طبيعة المرحلة وإشكالاتها، ومع الدور التاريخي المناط بالحركة الطلابية وخصوصيتها الفلسطينية.
فما المانع أن تقوم الكتل الطلابية باستعراض التاريخ الوطني وتجذير الوعي العام بالقضية الفلسطينية وشهدائها وأسراها، فمن الملاحظ وحسب المسوح والبحوث وجود فراغ معرفي وثقافي صادم، وأن الإعلام الاجتماعي من يشكل الوعي لدى الشباب بشكل عام، وتشير الاستطلاعات إلى تراجع نسبة الانتماء المنظَّم، ولم لا تلعب الحركة الطلابية دورها التاريخي في نقاش تجسيد الوحدة الوطنية وتعطي نموذجاً يحتذى به!
لا يمكن المرور على القضايا المطلبية مرور الكرام، فلطالما كانت المطالب النقابية هي الوجه الرئيس للحراك الطلابي، وفي الحراك الحالي قام المجلس بتحديد مطالبه الأهم: عدم رفع الأقساط وإرجاع الحصول على لائحة الشرف بناء على التعليمات الأكاديمية، ووضع معايير للحصول على المنح، وإلغاء الشُعَب المغلقة، وضمان تسجيل الطلبة، وتطوير العيادة الصحية، وتعديل التأمين الصحي.
جميع المطالب لا بد أن تخرج من إطار مفهوم إدارة الأزمة المتبع أو تأجيلها من سنة لأخرى، إلى التوجه نحو وضع الحلول الموضوعية لها ضمن منطق الحرص على مصالح الأطراف، والحوار ضمن مفهوم أن الجميع سيكون مغلوباً ومكسوراً إذا ما كان الاستهداف تحقيق النصر وتوظيفه للمكاسرة وليّ الأذرع. حينها، لنقرأ على الجامعة السلام.
بعد كل ما سبق، المشكلة مطروحة على الكلّ الفلسطيني تقف عند الحوار بين المختلفين، غياب الحوار هو أحد كوارث الشعب الفلسطيني، لأن الثقافة المحلية لا تشجع على الحوار، لأنها تبني خنادق متقابلة بين فئات المجتمع وشرائحه وطبقاته بشكل مسبق. دون الالتفات إلى انعكاس تغييب الحوار الديمقراطي، أدبياته وأخلاقياته وبروتوكولاته، الذي لا يمكن الشروع به تحت ضغط الجنازير وتكريسه كأسلوب في الوعي الجمعي، ويخلف أضراراً معنوية فادحة بكل الأعراف، تُذكِّر بالحوار تحت القصف بين الأعداء في الحروب العسكرية، وهدف فرض الاستسلام وهزيمة الطرف الآخر وسحقه، غير مقبول في مجتمعنا من الوجهة القانونية والمهنية. ليس هكذا تورد الإبل! البوصلة يجب أن توجه نحو عدم السماح بليّ يد إدارة الجامعة الوطنية وهزها، وعدم السماح بكسر الحركة الطلابية.
إن الكفيل بحل أزمة الجامعة، مبادرة القوى إلى فتح أبواب الجامعة بالتوافق مع أذرعها الطلابية، ومن ثم تهيئة مناخات ضامنة للحوار الديمقراطي المفتوح، وطنياً ونقابياً، ينتهي بمدونة سلوك مُلتزم بها؛ تضبط إيقاع الخلاف حتى لا يفلت مستقبلاً، ويعم الضرر الشامل، مادياً ومعنوياً.

هذا المقال يعبر عن وجهة نظر صاحبه، ولا يعبر بالضرورة عن وجهة نظر وكالة صدى نيوز.