الفلسطينيون في الرواية العربية
مقالات

الفلسطينيون في الرواية العربية

أول رواية تناولت حياة الفلسطينيين بعد ١٩٤٨ كتبها اللبناني جورج حنا «لاجئة».
بعد هزيمة ١٩٦٧ قارب روائيون، مثل حليم بركات، وأديب نحوي في «عرس فلسطيني»، الموضوع، ما لفت نظر الدارسين.
استحوذ الموضوع على اهتمام الروائيين وطغى أكثر من التفاتهم إلى الشخصية اليهودية.
قبل جهود كنفاني «في الأدب الصهيوني»، وكتابته عن اليهود «عائد إلى حيفا»، ومعين بسيسو «في الأدب الإسرائيلي» ومسرحيته «شمشون ودليلة» نادرا ما قارب الروائيون الشخصية اليهودية، ولكنهم بدؤوا يكتبون عن الفلسطينيين، ما لفت أنظار الإسرائيلي شمعون بلاص، فدرسهم في رسالته «الأدب العربي في ظل الحرب ١٩٤٨ - ١٩٧٣»، فالتفت إلى صورة اليهود، وأفرد جزءا لصورة الفدائي الذي عده أديب نحوي بطلا أسطوريا.
حتى ١٩٩٣ نادرا ما كتب الروائيون العرب كتابة إيجابية عن اليهود، وظلوا ينظرون إليهم غالبا على أنهم أعداء.
بعد العام ٢٠٠٠ اختلف الأمر.
كان الروائيون يكتبون عن الفلسطينيين ويصورونهم ضحايا، ولهذا تعاطفوا مع اللاجئ وأعجبوا بالفدائي. تلخص هذا الإعجاب عبارة قالها الزعيم عبد الناصر الذي رأى في المقاومة الفلسطينية أنبل ظاهرة عربية في القرن العشرين. وما كثرة دراسات الدارسين للأدب الفلسطيني وإعادة دور النشر طباعته، سوى تعبير واضح عن مقدار حب الجماهير العربية ومثقفيها وكتابها وأدبائها للفلسطيني.
يستطيع المرء أن يوازن بين الاهتمام بالأدبين الفلسطيني والإسرائيلي، قبل العام ٢٠٠٠ وبعده، ليرى الفارق.
بعد العام٢٠٠٠ كثرت الكتابة عن اليهود وطغى عليها ضرب من التصالح، فلم يعد اليهود ينعتون بالصهيونيين الغاصبين. لقد نظر إليهم ضحايا وبشرا يمكن التفاهم معهم وتفهم معاناتهم. صاروا يتسيدون عناوين الروايات، وارتفعت الأصوات التي تدعو إلى ترجمة أدبهم وأقبلت دور النشر على طباعته. بل وأخذ بعض الروائيين يكتب عن اليهود وعلاقتهم بالمسلمين في الفترات التي ساد فيها الوئام، للقول إننا لسنا ضد اليهود وإن التعايش معهم ممكن، فقد تحقق من قبل.
مقابل تسيد دال اليهودي، لم نقرأ عناوين روايات عربية يظهر فيها دال الفلسطيني. لقد حفلت روايات فلسطينيين بمفردات «فلسطيني» في العنوان، مثل «الفلسطيني الطيب»    (ق 20) لعلي فودة و»لعنة الفلسطيني» (2016) لمحمد عبدالله القواسمة.
لا يعني ما سبق أن الروائيين العرب لم يحتفلوا بالفلسطيني ولم يبرزوا له صورة إيجابية. على العكس فإن هناك روايات كان حضوره فيها لافتا، وبدت صورته إيجابية، وهو ما يظهر في روايات حيدر حيدر، وإلياس خوري (باب الشمس وأولاد الغيتو) ورضوى عاشور (الطنطورية) وانعام كجه جي (النبيذة) وممدوح عدوان (أعدائي) وجنى فواز الحسن (طابق ٩٩) وأحلام مستغانمي (ذاكرة الجسد) وواسيني الأعرج (سوناتا لأشباح القدس) وأمجد ناصر، وإن اختلفت صورته لدى آخرين.
أصدر محمد القواسمة، وهو يقيم في الأردن، روايته التي تجري أحداثها في قرية «عروبة» قرب مدينة «الرجيع»، وكلا الاسمين افتراضي، وصورت معاناة الفلسطيني في زمن الربيع العربي. ولما كان الفلسطيني دكتورا ونشيطا اجتماعيا وسياسيا فإنه يفصل من عمله ثم يختطف ويقتل.
تظهر الرواية موقفين متناقضين في «عروبة» من الفلسطيني.
يقيم الفلسطيني علاقة مع شابة ويخطبها، وحين تعلم صديقتها أنها ارتبطت بفلسطيني تبدي دهشتها، معبرة عن موقف سلبي من شعبه، وهذا لا يروق للفتاة. إنها معجبة بخطيبها كونه لا يتنكر لفلسطينيته، وتقول لصديقتها إنه لو تنكر لأصله لما احترمته، وأنه إنما كبر في عينها لهذا.
يختطف النظام الحاكم في «الرجيع» الدكتور أنس الفلسطيني حين يكون مع خطيبته التي لا تمس بسوء، ويقتله.
ولهذا فإن «عروبة» لا تنجو.
تنتهي الرواية بطوفان يغرق القرية فلا يبقى منها أثر عقابا لأهلها، فقد ظلموا الفلسطيني وعائلته.
حين يمر جواد بالقرية لا يرى من بقاياها إلا لافتة مكتوبا عليها «عروبة ترحب بكم» وحين ينتزعها من مكانها وينصبها على مرتفع يتناول أحد الشباب قلما «غليظا» ويكتب مكان «عروبة ترحب بكم» عبارة «لعنة الفلسطيني».
وإذا ما تأملنا في الروايات التي صدرت في ق 21 فإننا لا نعثر على صورة مشرقة، إلا قليلا، للفلسطيني (أنعام كجه جي «النبيذة»)، والأكثر أننا نعثر على صورته كما تتجسد في واقعه، وهي صورة لا تسر صديقا ولا تغيظ عدوا.
يكتب عدوان عن الواقع العربي في الحرب العالمية الأولى وينهزم الفلسطيني عارف النابلسي فيم ينتصر غريمه الصهيوني. يلام الأول على إخلاصه ويطلق سراح الثاني مع تآمره. وتصور عاشور مجازر «الطنطورة» في 1948 وما يعقبها من مجازر في لبنان، ويفعل خوري الشيء ذاته فيكتب عن ابن النكبة اللقيط الذي ينتهي به المطاف في نيويورك، كما ينتهي مشوار شخصية رواية «طابق 99» أيضا هناك بعد أن نجا من مجزرة صبرا وشاتيلا في 1982.
في الأعمال السابقة، نقرأ عن مآل الفدائي وما صار إليه الشعب الفلسطيني، وهو مآل كئيب وحزين يستحق الرثاء.
لم أتابع الروايات التي صدرت في الخليج وأتى أصحابها على الفلسطيني. حقا إنني قرأت لليلى العثمان التي أبرزت للفلسطيني صورة مشرقة، وقرأت مراجعات عن روايات لإسماعيل فهد تبرز أيضا الصورة ذاتها، إلا أنني أعتقد أن هناك روائيين آخرين قاربوا الصورة.
الرواية التي أبرزت صورة سلبية لنا في ق 21 هي رواية المصري ناصر عراق     «العاطل» وتجري أحداثها في بلد خليجي. الفلسطيني فيها انتهازي ولا يطاق وهو ما كتبت عنه من قبل.

هذا المقال يعبر عن وجهة نظر صاحبه، ولا يعبر بالضرورة عن وجهة نظر وكالة صدى نيوز.