لم يربح أحد ولم ينجح أحد
مقالات

لم يربح أحد ولم ينجح أحد

يكاد التركيز على «جدية» الضربة الإيرانية، وفيما إذا أدت الى خسائر حقيقية أن ينقل كل الانتباه الى ضربة «متفق» عليها، او محسوبة بدقة وعناية فائقة، لكي تنتهي عند حدود رُسمت سلفاً.
وعلى أهمية ذلك كله ـ أو عدم أهميته ـ فإن هذا التركيز لا يؤدي بنا الى اي مكان.
ماذا عن الأيام القادمة وما هي مخططات أطراف معادلة هذا الصراع؟ وماذا بعد ان وصلت الأمور الى هنا؟ هل يفضي هذا التركيز الى استشراف ومعرفة الكيفيات التي من خلالها سيتم استمرار هذا الصراع؟
الجواب في أغلب الظن لا.
لكن لو سألنا السؤال التالي:
ما هي الأوراق التي تملكها الولايات المتحدة لاستمرار ضغطها على ايران، وما هي الاوراق التي تملكها ايران بالمقابل في مواجهة الاوراق الاميركية؟ يمكن لنا أن نتبين معالم المرحلة القادمة والجديدة، ويمكن لنا ايضا قراءة المدى المنظور لهذه المرحلة وسماتها الرئيسية فقط من خلال هذه الأوراق. هناك ثلاث حقائق كبيرة ادت اليها عملية اغتيال الجنرال الإيراني.
الأولى: لم يعد سهلاً ولا في متناول اليد عودة الحراك الشعبي في إيران الى ما كان عليه.
الثانية: هناك موضوعياً تراجع نسبي كبير في عودة الحراك الشعبي العراقي، وقد تصل الأمور الى إعادة تغيير كامل معادلة هذا الحراك باتجاهات الدولة العراقية، من حيث المكانة والسيادة والسيطرة وليس فقط من حيث أزمات الفساد والتبعية.
الثالثة: تحرر طهران من التزامات البرنامج النووي، وعدم العودة الى الاتفاق قبل إعادة التفاوض عليه، وبما يشمل جدية الالتزام الأوروبي به.
هذه القضايا او الحقائق الثلاث تحققت لإيران كأرباح صافية لمرحلة ما بعد الاغتيال.
بالمقابل حققت الإدارة الأميركية خسارات مقابلة لهذه الأرباح الإيرانية ولكنها زادت عليها الخسارات التالية:
1ـ قرار البرلمان العراقي.
2ـ تحويل خروج القوات الأميركية الى توجه سياسي وشعبي والى «مهمة» من مهمات «المقاومة» العراقية.
3ـ التهديد بحرب استنزاف لهذه القوات.
4ـ إعادة الاصطفاف السياسي في العراق باتجاه ما يشبه «المكونات» الثلاثة، دون أن يكون للولايات المتحدة «مكون» مبلور كما كان عليه المكون الرسمي الشيعي والكردي. وبذلك ربحت إيران هذه الجولة. وخسرت الولايات المتحدة حتى الآن. لكن خسارتها ما زالت مؤقتة وهي في نتائجها ستتحدد في ضوء الاستراتيجية التي ستعتمدها الإدارة الأميركية للمرحلة الجديدة.
والسؤال: هل تفكر الولايات المتحدة بالانسحاب (في سنة الانتخابات) من العراق؟
وإذا كان الجواب: نعم، فلماذا؟، أم انها لن تنسحب، ولن تفكر بهذا الأمر بالذات لانها تفكر بتحقيق «نجاحات» قبل هذه الانتخابات، وتفكر بأن بقاءها هو أمر حيوي لأي نجاح محتمل؟! أقصد ما هي الخطة الأميركية المحتملة للعراق بعد اغتيال سليماني، وما أفرزه هذا الاغتيال من معالم مرحلة جديدة؟ الولايات المتحدة كما يُعتقد على نطاق معين تفكر بالانسحاب من العراق وسريعاً.
الوثيقة المسرّبة «بالخطأ» هي دليل جدي على صحة هذا الاعتقاد.
وهي ترى في هذا الانسحاب أهمية خاصة لتفويت الفرصة على إيران بشنّ حرب عليها في العراق على شكل حرب عصابات واستنزاف. وهي بهذا الواقع تستطيع، أن تدافع عن الحلفاء في الخليج العربي بصورة أفضل وبمرونة عالية نسبياً.
كما أنها استبشرت خيراً بأنها بدلاً من أن يكون حصارها لإيران استراتيجية أميركية خالصة يمكن أن يتحول هذا الحصار إلى حصار أميركي أوروبي شامل.
وهي ترى أن النظام الإيراني في غضون عدة شهور فقط لن يتمكن من تصدير نفطه، وأنه سيدخل في مرحلة جديدة من تردي الأوضاع الاقتصادية، بما يشبه الأمر عندما كان نظام صدام حسين في المراحل الأخيرة من الحصار.
كما أنها ستوظف «تحرر» إيران من بنود الاتفاق النووي لصالحها في المزيد من الضغوط والحصار.
وقبل الانتخابات الأميركية بثلاثة أو أربعة أشهر يمكن لها أن تعاود فرض معادلة جديدة على إيران، وبذلك يكون ترامب قد حقق الأرباح الصافية الكبيرة والدائمة مقابل الخسارات المؤقتة الراهنة.
إيران تعرف كل هذا حق المعرفة، وهي تدرك المرحلة الجديدة التي تخطط لها إسرائيل والولايات المتحدة وكذلك بعض بلدان الخليج العربية.
لن تقدم ايران سريعاً على أية أعمال او استفزازات كبيرة في مواجهة التفكير والتخطيط الاميركي، لكنها تحضر الأرضية للمواجهة في المواعيد التي تراها وتناسبها وتحددها لاحقاً. إذا حرمت ايران من تصدير نفطها بالكامل فإنها ستعمد إلى برنامج متكامل للتشويش على الملاحة النفطية كلها.
وإذا رأت أن اقتصادها بدأ بالانهيار فإنها ستعمل على انهيارات اقتصادية في البلدان العربية على الخليج.
وإذا أجبرت على رهن كامل نفطها لروسيا والصين فإنها لن تتردد، وربما تعطي لكلا البلدين ميزات عسكرية جديدة، وعقودا اقتصادية تفوق التصور.
وهي لن تتردد أبداً ليس فقط بزيادة وتيرة التسلح، وإنما ستعمد الى شراء أسلحة نوعية من كلا البلدين لكي تكون قادرة على الإيذاء، وعلى منع ضربها بصورة تؤدي الى هزيمة عسكرية من أي نوع كان.
وهي ستحاول ان تضبط إيقاع تطبيق خطتها للمواجهة مع ساعة الانتخابات الأميركية.
وكل شيء سيعتمد على مدى ما لدى الإدارة الأميركية من قدرة على التخلص من الهوس الصهيوني الأعمى الذي تبدو فيه الإدارة الأميركية غارقة حتى أذنيها.
المعركة معقدة، والحسابات الإسرائيلية عميقة وجذرية، والحسابات الأوروبية ليست مطابقة للحسابات الأميركية، والحسابات الدولية الأخرى وخصوصاً الروسية والصينية ثبت انها محنّكة وهادئة وليست مهتمة بأي سياسات منفعلة ولا متسرعة.
ولهذا فإن الربح والخسارة برسم المرحلة في المدى المنظور ومفهوم النجاح والنصر مازال في نهايته.

هذا المقال يعبر عن وجهة نظر صاحبه، ولا يعبر بالضرورة عن وجهة نظر وكالة صدى نيوز.