عن حالة التوازن والانزياح في إسرائيل
بقدر ما تبدو حالة التوازن بين المعسكرين السياسيين الإسرائيليين المتنافسين، منذ الدورة الواحدة والعشرين للكنيست، والذاهبين إلى دورة ثالثة خلال عام دون النجاح في تشكيل الحكومة، في الثاني من آذار القادم، إلى صناديق الاقتراع، بقدر ما تبدو سبباً في عدم استقرار الدولة المحكومة بحكومة تصريف أعمال منذ أكثر من عام، بقدر ما تشير إلى استقرار أو توازن حزبي، لا يتوقع أحد أن يحدث ما يغيره من حيث الجوهر، بعد شهر ونصف من الآن، رغم ذلك فإننا نرجح أن تكون «الثالثة ثابتة»، خاصة وأن أحداً لا يتوقع انقلاباً سياسياً في إسرائيل، بل انزياحاً يكسر حدة التوازن القائمة، وذلك وفق أحد سيناريوهين لا ثالث لهما على الأرجح.
ما بين الدورة السابقة والقادمة، لم يتغير الشيء الكثير، مما يمكن له أن يؤثر على خيار الناخبين، باستثناء توجيه لوائح الاتهام رسمياً لرئيس الحكومة والليكود وزعيم معسكر اليمين، بنيامين نتنياهو، ورغم أن هذا لم يتسبب في انتقال ملموس لبعض الناخبين من اليمين إلى المعسكر الخصم، إلا أنه أثّر في حدوث حالة توازن حول من يفضله الناخبون ليكون رئيساً للحكومة، حيث ما زالت الأكثرية تفضل نتنياهو، ولكن مع ارتفاع نسبة تأييد خصمه بيني غانتس، ليقترب منه، وهذا أمر ليس ذا بال، إلا لو كانت هناك انتخابات مباشرة لرئاسة الحكومة، كما اقترح البعض بعد فشل المكلفين بتشكيل الحكومة بعد انتخابات الكنيست الثاني والعشرين السابقة، ولم يمر الاقتراح، كذلك هناك أمر آخر أكثر أهمية من سابقه، لكنه ليس حاسماً أيضاً.
نقصد تحالف قائمتي «العمل_جيشر» و «ميرتس_أهود باراك» أو المعسكر الديمقراطي في قائمة واحدة، كذلك اتحاد أحزاب اليمين المتطرف الثلاثة في قائمة واحدة، وذلك عشية إقفال أبواب لجنة الانتخابات أمام استقبال طلبات الترشيح، مساء أول من أمس، أي قبل ساعات فقط من آخر لحظة، هذا الأمر يعتبر مهماً، لأن كلا المعسكرين بعد فشلهما في تشكيل أي حكومة بعد الانتخابات السابقة، باتا يطرقان باب الفوز بالأغلبية البسيطة، تجنبا للخيار الوحيد المتمثل بإقامة حكومة الوحدة بين حزبي الليكود وأزرق_أبيض.
لذا فقد سعى كل من بيني غانتس وبيبي نتنياهو إلى الدفع بشركائهما على الجانبين لتوحيد الصفوف حرصا على كل صوت انتخابي، وخوفاً من أن لا تتجاوز واحدة من القوائم نسبة الحسم، ذلك أن أي تراجع في قوة «بيضة القبان» أي قائمة حزب إسرائيل بيتنا، بزعامة افيغدور ليبرمان، الذي حاز على ثمانية مقاعد في الدورة السابقة، وحصوله مثلاً على أربعة أو خمسة مقاعد، يمكن أن يصل بأحد المعسكرين إلى أغلبية المقعد الواحد.
نجح غانتس بشكل أوضح وأبكر في توحيد العمل وميرتس في قائمة واحدة، هذا رغم أن استطلاعات الرأي تشير إلى أن ما سيحصلان عليه معا اقل بمقعد أو اثنين عما يحصلان عليه متفرقين، لكن الخوف _كما أشرنا_ بات من عدم تجاوز إحدى قوائم المعسكرين نسبة الحسم، وبالتالي يتسبب ذلك في كسر حالة التوازن والتسبب في انزياح الأغلبية البسيطة إلى المعسكر الآخر.
أما في معسكر اليمين، وبعد أن أعلن عن ذهاب العمل وميرتس للانتخابات في قائمة واحدة، هدد نتنياهو كلا من زعيم اليمين الجديد نفتالي بينيت، وزير الدفاع، رئيس حزب البيت اليهودي سابقا، ووزير المواصلات بتسالئيل سموتريتش زعيم البيت اليهودي الحالي، بالإقالة من منصبيهما إن لم يتحالفا معاً، ويفتحا الطريق لتحالف اليمين المتطرف الذي يمثلانه مع حزب الاتحاد الوطني أو الوحدة القومية وهو سليل المفدال الحزب التاريخي.
كان بالنتيجة أن توحدت الأحزاب الثلاثة ولكن دون العنصري المتطرف جدا «عوتسما يهوديت» وهكذا ذهبت إسرائيل بثلاثين قائمة للتنافس على مئة وعشرين مقعدا للكنيست الثالث والعشرين. وعلى الأغلب وبشكل شبه مؤكد فإن ثمانية قوائم فقط ستجتاز نسبة الحسم، أربع منها في اليمين: وهي الليكود، شاس، يهودوت هتوراة، واليمين المتطرف، وثلاث على الجهة المقابلة وهي: أزرق_أبيض، العمل/ميرتس والقائمة العربية، وبينهما ليبرمان.
ولن يتغير المجموع الكلي لعدد مقاعد المعسكرين، أي سيتراوح حول 55 ينقص واحد أو اثنان أو يزيد كذلك، المهم أن حالة التوازن ستبقى قائمة، ما لم تحدث معجزة وهذا أيضا أمر شبه مستحيل.
إذاً المعسكران يشدان الحبل على آخره، ويلاحقان كل صوت انتخابي، في محاولة لانجاز السيناريو الأول الذي ذكرناه، في أول المقال، وهو الحصول على الأغلبية البسيطة، بالطبع دون حزب إسرائيل بيتنا وزعيمه ليبرمان، الذي يصر على عدم الانحياز لأي طرف، إلا بشرط، وهو إقصاء الحريديم من حكومة اليمين، وإقصاء العرب من حكومة الوسط_اليسار.
السيناريو الثاني، والذي ربما يفرض على مؤسسات الدولة الدفع به للخروج من المأزق، ذلك أنه بعد نحو عام ونصف من الشلل وعدم قدرة الحكومة على اتخاذ قرارات مصيرية تحتاج إلى تصويت من الكنيست من مثل إقرار الميزانية مثلاً، هو أن يخرج نتنياهو شخصياً من المعادلة السياسية، خاصةً وأنه بشخصه كان يحول دون تشكيل حكومة الوحدة، كذلك فإن اليمين نفسه بات يدرك بأنه قد صار أسير شخصية فردية، وهو يتشبث به للبقاء في الحكم، لأنه يدرك بأنه بحاجة إلى مرحلة انتقالية يعيد فيها صناعة شخصيات كاريزمية تقود اليمين مجدداً للفوز بالحكم.
أي أنه إذا ما نجح الخصم، كما فعل بدرجة أولى من خلال تشكيل لجنة النظر في طلب نتنياهو الحصانة من الكنيست، في الحصول على «فتوى» قضائية من قبل المستشار القضائي للحكومة بعدم تولي رجل متهم قضائياً رئاسة الحكومة، كما هو الحال بالنسبة للوزراء، فإن الطريق يصبح بعد ذلك معبّداً لتشكيل حكومة جديدة وفق خيارات عديدة، منها أن يشكلها اليمين، وهذا خيار أضعف، لأن ليبرمان لا يقبل الجلوس مع الحريديم، ومنها بالطبع حكومة وحدة مصغرة من الحزبين أو أوسع مع ليبرمان، أو حكومة أغلبية كبيرة، من اليمين واليسار، لكن هنا ستنشأ معضلة أمام المعسكرين وتتمثل في تنصيب العرب كمعارضة.