هل ستُعْلَن الصفقة قبل الانتخابات الإسرائيلية؟
بدا في الآونة الأخيرة وكأن الإدارة الأميركية تجسُّ نبض المنطقة حيال إمكانية أن يتم الإعلان عن صفقة القرن قبل موعد عقد الانتخابات الإسرائيلية..!
والسؤال، هل الإدارة الأميركية جادّة فعلاً بالإعلان عنها قبل الانتخابات الإسرائيلية، أم أن المسألة ما زالت في مرحلة «الدراسة»، أو ربما قياس ردود الأفعال؟
ولماذا كانت الإدارة الأميركية تؤجل الإعلان عن هذه الصفقة والتي تصورها الإدارة «كجوهرة نادرة» سيتم الكشف عنها فقط في الوقت المناسب؟!
وكيف يصبح الوقت المناسب هو ما قبل الانتخابات الإسرائيلية في حين كان «بعد» الانتخابات الإسرائيلية هو الوقت المناسب فقط؟!
ما الذي تغيّر؟!
وهل السبب هو تكرار الانتخابات الإسرائيلية وعدم وجود أفق لتغيرات ذات مغزى، أم أن وراء المسألة ما هو أبعد من تكرار الانتخابات؟!
الحقيقة التي يجب علينا كفلسطينيين أن ندركها هي أن كل خطوة كانت تقوم بها الولايات المتحدة مهما كانت صغيرة أو كبيرة وبقدر ما يتعلق الأمر بالصراع الفلسطيني الإسرائيلي المباشر أو حتى في كل أبعاده الإقليمية وبعض مفاعيله الدولية، إنما كانت منسّقة بالكامل مع إسرائيل.
وكانت دائماً درجة عالية من التناغم بين مواقف الخارجية والإدارة الأميركية وبين مواقف إسرائيل وسياساتها، وقد لعب ممثل إسرائيل في الأمم المتحدة دورا مميزا على هذا الصعيد، وهناك طواقم كاملة عملت وما زالت تعمل على تأمين هذا التناغم والانسجام.
هذا العمل المنظم عاد له أكثر من ثلاث سنوات، وهو عمل أثمر في الواقع عملا سياسيا يمكن اعتباره نجاحا إسرائيليا خاصاً.
فهل في ضوء ذلك كله من المعقول أن تقدم الولايات المتحدة على الإعلان عن «الصفقة» ونشرها دون أن تكون إسرائيل على علم ودراية وبموافقتها ومباركتها وربما برغبة منها قبل أي جهة أخرى؟!
الجهة الوحيدة التي أبدت تحفظاً على إمكانية نشر «الصفقة» هي كتلة «أزرق ـ أبيض»، في إشارة واضحة إلى أن مثل هذا النشر لا يعني سوى مسألة واحدة: تقديم دعم مباشر من قبل الرئيس ترامب لنتنياهو في «آخر» محاولة، وآخر ورقة، وآخر ما تبقّى في جعبة ترامب ليقدمها لصديقه نتنياهو «علّه» بوساطة هذه الورقة الأخيرة ينجو بنفسه من «دوامة» الحصانة التي أربكت كل حسابات نتنياهو، وحزب الليكود، بل وكل المجتمع السياسي الذي يدور في فلك الأخير.
الجانب الذي يهمنا كفلسطينيين هو أن الإدارة الأميركية والتي هي متصهينة باتفاق واسع فيما بيننا، ترى في نشر الصفقة أهمية لمساعدة نتنياهو في المحنة التي يعاني منها، وهذا بالذات هو موضع تحفظ «أزرق ـ أبيض» على احتمالات مثل هذا النشر أو الإعلان، وهذا ما يهمنا نحن أيضاً.
معنى ذلك أن في هذه الصفقة «إقراراً» أميركياً صريحاً بضم الكتل الاستيطانية بعد إعادة تجميعها إذا لزم الأمر، وهناك موافقة أميركية على ضم جزء كبير من الأغوار الفلسطينية، وأن هناك «إقراراً» أميركيا بأننا هنا لسنا مواطنين وإنما مقيمون بمنحة سخية من الأصحاب الشرعيين لهذه الأرض (هنا الحديث عن إسرائيل)، أما ما تبقّى من أرض الضفة وهي حوالى 40% المساحة الكلية [فستخصص] للفلسطينيين، باعتبارها مناطق تشكل في الواقع تجمعات فلسطينية كبيرة ومكثفة.
باختصار كل شيء محسوب بدقة، ليس فقط في معالجة اللحظة السياسية القائمة، وإنما المعالجة المطلوبة لكي تكون فعالة «وقانونية» للمستقبل أيضاً. وطبعاً كله من وجهة النظر الإسرائيلية.
والذي أراه في إطار محاولة ما يمكن أن تكون عليه فعلاً هذه «الصفقة» هو أنها ستكون مصاغة وفق الاعتبارات الإيديولوجية والقانونية التي تنفي وجودنا الوطني وأي حقوق وطنية تترتب على هذا الوجود.
وسنرى في حينه أن الصياغات التي ستتضمنها هذه «الصفقة» ستكون في خدمة المخطط الهادف لتجريد شعبنا من حقوقه الوطنية.
فعندما يتعلق الأمر بمفهوم «الإقامة» و»المقيم» فهذا يعني أن الحق هو حق السكن أو العيش وليس الحق النابع من الوجود الوطني..!
وهذا الأمر بالذات ليس صدفة كما هو واضح ولكنه خطير للغاية أيضاً لأن مفهوم «الترانسفير» ربما في بعض أبعاده القانونية يختلف ما بين حالة المواطن وحالة الحاصل على حق العيش أو السكن.
يُقال إن تغييرات كبيرة قد جرت على بنود الصفقة، وعلى كل مفاصلها بما فيها الديباجة والمضمون والخاتمة، لكن أحداً لم يقترب من الصياغات التي تتضمن «السمّ» في الحرب على الحقوق الوطنية الفلسطينية.
ويبدو جلياً الآن أن الموقف الرسمي الفلسطيني في مواجهة هذه الصفقة منذ اليوم الأول كان الموقف الصحيح، والدقيق والمطلوب حتى لا يتاح لأي أحد، كائنا من كان أن يتلاعب بهذا الأمر، أو يوفر أي فرص من أي نوع كان لاختراق الموقف الوطني.
وكل محاولات الإدارة الأميركية لتسويق هذه الصفقة عبر البوابة الاقتصادية ـ كما حصل في المنامة وغيرها ـ هي محاولة فاشلة سلفاً ولا تساوي الأوراق التي كُتبت عليها.
وصفقة القرن كما يحاولون الترويج لها ليست سوى عنوان فشل معلن لهذه الإدارة، وهي غير قابلة للحياة حتى ولو حاولوا أن يهيئوا لها كل الظروف والإمكانيات، وهي انتهت لأن الشق الإسرائيلي (الغنائم الإسرائيلية) تم تبنّيها والإعلان عنها على لسان ترامب، ثم فريدمان، ثم وزير الخارجية الأميركي في أكثر من مناسبة وبالشكل والرعونة والتبجح الذي شهدناه جميعاً.
الاستفادة التي ربما يراهن عليها نتنياهو فيما إذا ما تم نشر «الصفقة» هي في إعادة تذكير الإسرائيليين بإنجازاته الكبيرة، وحيث لم يعد أمامه سوى هذه المعركة في محاولة إقناع الرأي العام بدعمه للفكاك من أزمة الحصانة.
حتى الآن 64% من الإسرائيليين لا يؤيدون أن يحصل نتنياهو على الحصانة.
فهل إذا نُشرت الصفقة سيتغير هذا الرقم لصالح نتنياهو؟
أشكّ كثيراً في هذه المراهنة لأن الصفقة نفسها ليس لها مثل هذه الأهمية التي يعتقدها نتنياهو.