الانفكاك استراتيجية أم ردة فعل؟
يلح السؤال: هل نحن ذاهبون باتجاه واحد وهو فك التبعية للاقتصاد الفلسطيني عن الاقتصاد الإسرائيلي أم هناك إمكانية للعودة لاعتبار الاحتلال الشريك الاستراتيجي التجاري؟.
إلحاحية السؤال جاءت على خلفية منع التصدير لمنتجاتنا الزراعية من قبل وزير الحرب الإسرائيلي ومنعنا نحن للخضار والفواكه والعصائر والمياه المعدنية والمشروبات الغازية من الدخول الى سوقنا، وبتنا على المحك بحيث يردد أصحاب المصلحة المباشرة من شركات التصدير الزراعي هذا السؤال ليكونوا على نور: إن كان الأمر ردة فعل لا تدعونا نتلظى بنار هذا القرار ونراكم الخسائر ومن ثم نعود حيث كنا واقل، وإذا كان استراتيجيا دعونا نكن جزءا من القرار ورواده.
صحيح أن الحكومة انتهجت استراتيجية الانفكاك الاقتصادي ولكنها وجدت نفسها أمام «تربيطات» تحتاج إلى جهود مضاعفة باتجاه تحقيق الانفكاك سواء على صعيد الكهرباء أو على صعيد الهيمنة على المقاصة والموانئ والمعابر ونشوء ارتباطات تجارية مفروضة فرضا منذ العام 1967 يوم لم يكن هناك سوق آخر غير السوق الإسرائيلية، ولأن قناعة أصحاب المصالح ممن هم على تماس يومي تجاري ومالي ليس من البساطة بمكان أن تتغير بسهولة خصوصا أنها ليست مسألة لفظية بل هي التزامات تعاقدية.
طبيعي، أن يبالغ بعض الاقتصاديين الذين يسعون لتسجيل نقاط ضد الحكومة معتبرين ان القرار بالمقاطعة حاليا والانفكاك الاقتصادي تحرك عاطفي لا يقود الى نتائج ملموسة على قاعدة أن غالبية تجارتنا وتعاملاتنا التجارية هي مع الاقتصاد الإسرائيلي على اعتبار انها علاقة مضمونة وفيها فوائد تجلب فوائد.
عمليا، المتحمسون لفك تبعية الاقتصاد الفلسطيني عن الاقتصاد الإسرائيلي يريدونها ضمن مرجعيات واضحة يكون هدفها منفعة اقتصادنا وتتبعها سياسات تقود الى تثبيت المزارع على ارضه من جهة، وسياسات مالية واقتصادية تحقق منافع لنا، وتنمية الاستثمار وزيادة مساهمة الصناعة الفلسطينية في الناتج المحلي الإجمالي، وإجراءات تتعلق بجعل الأغوار عنقود صمود لتثبيت الناس على ارضهم وحمايتها.
بات ضروريا ان يكون هناك أوسع مبادرة لدعم المنتجات الفلسطينية وزيادة حصتها السوقية وزيادة حجم مبيعاتها ورفع قدرتها التصديرية، وهذا لا يتحقق ضمن هبات هنا وهناك ومساع لتثبيت حضور ذاتي ليس إلا، تلك المبادرة بحاجة لتضافر الجهود معا لصناعة فرق على الواقع وتحقيق نتائج تنقلنا من مرحلة الأمنيات الى الواقع المعاش.
النقاش حاضر بقوة، اليوم، والجاهزية عالية ويجب استثمار هذه الأجواء، حكوميا وشعبيا، من خلال ورقة مرجعية واضحة تحدد الى أين نحن ذاهبون اقتصاديا بحيث يكون المزارع والصناعي والمصدر والمستورد والتاجر والمستهلك والباحثون شركاء فيها لتعكس حضورهم ويتشاركوا في المسؤولية، واضح، اليوم، إننا بحاجة الى تحويل الوضع الراهن الى فرصة نبني عليها بالشراكة والفهم المشترك دون إتاحة المجال لتكرار السؤال من قبل كل الشركاء: هل نحن أمام استراتيجية أم ردة فعل مؤقتة؟.
بات ملحا توزيع عبء فك تبعية الاقتصاد الفلسطيني وخطوات الانفكاك الاقتصادي على الكل الشريك بحيث لا يكون العبء الأثقل على الذين تعتبر مناعتهم أقل أو ضعيفة وهؤلاء بالضرورة المستهدفون بالحماية من ارتداد الأثر، ولا يقود هذا بالضرورة لإلقاء كل الحمل على الشركات الكبرى وكأنها يجب ان تكون مقدمة المواجهة لآثار الانفكاك الاقتصادي وقرارات مقاطعة بعض السلع من السوق الإسرائيلية، ما يتطلب تدخلات حكومية واضحة لحصر حجم الأضرار ومعالجتها بما يتناسب مع حجم الضرر لكل فئة، واستخلاص العبر من هذه التجربة ورفع جاهزيتنا للاستمرار في استراتيجيتنا إذا اتفقنا انها استراتيجية وليست ردة فعل.
وباتت هناك توجهات للتوجه للقضاء ضد قرار وزير الحرب الإسرائيلي بمنع التصدير بحجة أمنية لا سند لها لأن الموضوع اقتصادي مالي وليس أمنيا، إذاً، أين تقف وزارة العدل من هذا الملف، وهل يوجد لديها سند قانوني يعزز هذا التوجه؟ والأمر ينسحب على تفسيرات قانونية من قبل دائرة شؤون المفاوضات في منظمة التحرير الفلسطينية.
الحراك الدائر، اليوم، من قبل القطاع الزراعي الخاص وهو في مقدمة المواجهة يجب أن يواكبه تحرك من قطاعات أخرى والخروج من دائرة البيانات الصحافية الى المبادرة على الواقع، الى مرجعيات واضحة والى استخلاص عبر والاستفادة من قائمة الشركات المتورطة في الاستثمار في المستوطنات وتعظيم الفائدة منها، وتفعيل عملية إسناد القطاع الزراعي وفي قلبه زراعة الأغوار.