بسام زكارنة يكتب لـ صدى نيوز: القضاء الذي نريد
كتب بسام زكارنة:
للقضاة هيبة واجب الحفاظ عليها ، وللمجتمع حقوق واجب القاضي صونها ، وهيبة القاضي من هيبة الوطن ، وهناك قصة معروفة عندما كان تشرشل مشغولاً في إدارة المعارك الحربية الضارية ضد هتلر وجيوشه، و وصله خبر حكم المحكمة، سأل عما تبقى من زمن لتنفيذ الحكم، فأخبروه 48 ساعة فقط، فأمر بنقل المطار على الفور قبل انتهاء المدة، وقال قولته الشهيرة "أهون أن نخسر الحرب من أن يخسر القضاء البريطاني هيبته".
وعندما طُلب ان تكون المحاكمات علنية أعطت بشكل جلي حق الرقابة عليها من قبل الشعب ، وحتى يعلم القاضي ان الله يعلم ما بالسر ويعلم المجتمع ما حَكم به بالعلن .
في ٢٠٢٠/٢/٩ صدر حُكم القضاء في قضية القاضي د. احمد الاشقر حول مقال دافع فيه عن انتهاكات حرية الرأي والتعبير للحكومة السابقة فيما يخص حظر نقابة العاملين في الوظيفة العمومية وانتهاك كرامة المعلمين والصحفيين ، وقرار مجلس التأديب عدم قبول الدعوة التأديبية بشرح شامل من القضاة ان هذا حق مكفول له ولكل فلسطيني وفق المادة ١٩ مِن القانون الأساسي التي كفلت الحق في حرية الرأي والتعبير .
لقد عبرنا في حينه عن تقدير شعبنا للقاضي احمد الاشقر لتصديه للإجحاف الذي تم بحق الموظفين والمعلمين والصحفيين لكننا اليوم نرفع القبعة للقضاة الذين اعطوا رسالة لشعبنا ان هناك تغييرا كبيرا حصل في القضاء الفلسطيني بهذا القرار العادل والمستقل، ونشهد ان هؤلاء القضاة أنفسهم مارسوا العدالة في السابق وكانوا مستقلين رغم الضغوطات والظروف الصعبة ، ولهذا نقول بكل اسف ان القضايا الخاصة لم تكن تُعطى لهم ويتم منعها عنهم.
نقول هذا تغيير هام جدا لاننا بكل اسف كنا نحاكم امام هيئات القضاء الفلسطيني ولنا تجربة سيئة معه ، وصدرت بحقنا احكام نطلب من القضاء الفلسطيني الحالي اعادة النظر بها ، وعدم تركها كمراجع قد يستخدمها البعض مستقبلًا وبشكل خاص حرية العمل النقابي وحرية التعبير ، حيث وقف القضاء عاجزا أمام التغول للحكومة السابقة بحق قطاعات واسعة من شعبنا واخطرها حظر جسم اكبر نقابة في فلسطين نقابة العاملين في الوظيفة العمومية.
ولا ابالغ في القول انني كنت كممثل للموظفين وحقوقهم بين ايدي القضاة السابقين في ٢١ قضية حول حرية الرأي والتعبير وحقوق الموظفين وخسرتها جميعًا أمام الخصم الآخر الحكومة الفلسطينية السابقة، ولست وحدي من خسر كل قضاياه بل صدر تقرير من مؤسسات المجتمع المدني ان نسبة اكثر من ٩٠٪ خسروا قضاياهم امام الحكومة في محاكم العدل العليا ، وليس لنا الا التسليم والصمت وقبول حكم القضاء ، وللأسف لا يوجد جهة عليا او مجلس تشريعي يعالج اي خلل حدث في القضاء ، علما ان لدينا تفاصيل ما حدث من خلل.
رَحل من ظلمونا ، لكننا نطمح ان يعالج مجلس القضاء بطريقة قانونية الأحكام التي صدرت بصورة استثنائية وخاصة فيما يتعلق بالحريات .
لا يعقل ان نتوقع وجود دولة بدون قضاء عادل ومستقل ، لانهم مِلح الوطن يحفظ حقوقنا كما كان يحفظ الملح طعامنا فإذا فَسَد الملح فكيف نحفظ طعامنا ؟!؟.
نريد أحكاما عادلة ومستقلة كما تم مع القاضي احمد الاشقر ، فهذه صورة القضاء العادل المستقل وهذا القضاء الذي نريد لفلسطين وشعبها الحر.
القضاة لهم تقدير عالي في مجتمعنا من احترام وهيبة ولهم بالآخرة من نصيب و عن النبي صلى الله عليه و سلم ، فيما ورد في صحيح مسلم يقول : ((“إِنَّ الْمُقْسِطِينَ عِنْدَ اللَّهِ عَلَى مَنَابِرَ مِنْ نُورٍ عَنْ يَمِينِ الرَّحْمَنِ عَزَّ وَجَلَّ وَكِلْتَا يَدَيْهِ يَمِينٌ الَّذِينَ يَعْدِلُونَ فِي حُكْمِهِمْ وَأَهْلِيهِمْ وَمَا وَلُوا “).