عندما تعطس الصين ..
فيروس كورونا أصاب العالم بحالة من الخوف والذعر، ما جعل الإنسانية تعيش كابوساً مرعباً دون سابق إنذار، الآن المجتمعات الإنسانية تعيش أعراضاً ليست فقط مرضية وإنما مجتمعية من مختلف الجوانب، هذا الفيروس قدم لنا دروساً وعبراً وربما قام بتعرية قيمنا الإنسانية من مختلف الجوانب التي كنّا نتباهى بها!!
في بداية الأمر، تعامل قادة الدول الكبرى مع هذا الفيروس بأنه قضية خاصة بالصين، وتناسوا بأن أي جزء يغرق من السفينة هو عبارة عن غرق لكل السفينة؟! كورونا أظهر الوجه الحقيقي لمفهوم العلاقات الدولية، لهذا يجب اعادة صياغة مفاهيم التعاون الدولي قبل كورونا وبعده؛ وهذا ما تبين من خلال طريقة تعاطي الدول الكبرى مع الوباء وآثاره الاقتصادية والإعلامية والسياسية.
وعلى صعيد آخر، كان لكورونا دور واضح في إظهار الوجه الحقيقي للأنانية التي بداخلنا، فوضعنا رؤوسنا كالنعام بالرمال دون أن نقدم يد العون للإنسان المصاب، وتوفير ما يطلب من متطلبات لإنقاذه، بل انعكس الرعب الذي بداخلنا من هذا الفايروس بموجه من السخط والغضب على كل من هو صيني وكوري.. أو حتى من عاد من سفره!!
ومع انتشار الشائعات والأخبار الصفراء والتي على إثرها ارتفعت أسعار الكمامات والمعقمات وبعض السلع الطبية اضعافاً في عموم البلاد، من المستغرب أن تقوم بعض الصيدليات والأسواق التجارية باستغلال حاجة المواطنين لمواد الوقاية من الكورونا وتحويل السوق لسوق سوداء بسبب إخفاء الكمامات أو التلاعب بالأسعار، في صورة خالية من الحس الإنساني والوطني.
على جهات الاختصاص تنفيذ أشد العقوبات واتخاذ الإجراءات الرادعة للمخالفين، ونتطلع لتكثيف الحملات التفتيشية، إذ لا يمكن المساومة على حياة المواطن مقابل حفنة من المال، كنت أتوقع من التجار المعنيين أن يسهلوا إيصال تلك المواد الوقائية والدوائية للمواطنين، بدلاً من استغلالهم بشكل جشع.
الأخطر من كورونا هي الشائعات التي تطلق من قبل أشخاص لا يعلمون ما يفعلون، والتحليلات غير المنطقية لهذا الفيروس وكأن البعض أصبح متخصصاً في الصحة والاقتصاد والأوبئة وربطها بأمور لا أساس لها من الصحة ولا يتقبلها العقل البشري، والأخطر من كورونا هي بعض العقول التي أخذت تُصرح قائلة بأن الصين أوجدت هذا الفيروس للقضاء على المسلمين!! لدرجة بأن أحد الخطباء يصرح بخطبة الجمعة بأن هذا الفيروس عقاب من الله على الكُفار!! وكأن «الكورونا» يُميز الديانات أو الجنسيات والأعراق!!
والمضحك المُبكي بأن العالم الافتراضي تحول الى مستشفى وعيادات، ليصبح أعضاؤه أطباء واختصاصيين وصيادلة ومُمرضين، ما جعل الجميع يفتي ويصرح ويدلي بدلوه في الشأن الطبي والعلاج المُناسب، فتحول الكثير الى ابن سينا.. ابن الهيثم.. ابن النفيس... وربما أبو بكر الرازي!! وبإمكان كل شخص يطلق الوصفات والعلاج!!
كان يقال مجازاً «عندما تعطس الصين .. يُصاب العالم كله بالزكام»، للدلالة على قوة التنين الصيني متمثلاً بالاقتصاد. وفي وقتنا الحالي أصبح هذا المثل واقعياً لكن بطريقة تراجيدية، وفي هذا درس ينبهنا إلى مدى هشاشة وضعف المجتمعات البشرية على كوكب الأرض.