الكورونا والشائعات
نستطيع القول إن «الكورونا» احتل مواقع التواصل الاجتماعي، وشكلت هذه المواقع بالتالي حالة قادت الى تخوفات مبالغ فيها، أدت الى تفسيرات غير علمية وسلوكيات فيها خوف أكثر منه سبل وقاية حقيقية وعلمية، وتناغم هذا مع استغلال لهذه المشاعر عبر شائعات تفيد أن حالتين هنا وطالبات غادرن ضمن وفد مدرسي الى إيطاليا، وقامت الدنيا على افتراض أنهن مصابات، وبات الجميع يفتي بخصوص أماكن العزل ومدى ملاءمتها وكأن الجميع بات خبيراً ومختصاً.
وفي مثل هذه الأجواء تتقدم الشائعات والفتوى ويتراجع اثر الصوت العلمي المختص الذي بإمكانه أن يقدم معلومات واضحة جلية تظهر الأمور بحجمها، ويستمر السباق بين من هم ليسوا ذوي اختصاص وبين المختصين، فيتفوق الفريق الأول لأن أهل الاختصاص لا يصدرون رسائل الا بعد التأكد من محتواها ومدى توافقها مع الجهد الطبي الدولي، للتعاطي وجهود منظمة الصحة العالمية وتوجيهاتها، لذلك يتروون حتى يصدروا الرسائل ويعملون ميدانياً أكثر، ويشحذ المواطن المتأثر بالشائعات كل أدواته لينقض على أهل الاختصاص بأنه هو العادي سبقهم وقدم جهداً لم يتوافقوا معه!!!!
مشكلتنا ان المجتمع بجزء واسع منه بات يتعامل مع المرضى وكأنهم مصيبة وقعت من كوكب آخر، لا يريدونهم ان يكونوا في مستشفياتهم ولا العيادات التي يذهبون إليها، وحتى أماكن عزلهم يجب أن تكون بعيدة جداً حتى لو وضعت في صحراء قاحلة، وكأنهم مذنبون وليسوا مرضى مثل مريض القلب والسكري وضغط الدم، وهذا سلوك غريب عجيب على مجتمعنا الذي لم يكن يوما بهذا التوجه، بل كان يتعاطف مع المرضى ويعتبر أن الوباء ابتلاء من الله وليس قضية للتنصل من المرضى واتهامهم.
خطباء المساجد ليوم الجمعة تفاوتوا في التعاطي مع «الكورونا»، منهم من اجتهد وقاس على حوادث تاريخية في التعاطي مع الطاعون مثلاً، والأحاديث النبوية وكيف تعامل الخلفاء الراشدون معه، وتعزيز قاعدة الا تلقوا بأنفسكم الى التهلكة بل الوقاية واجبة.
وفيما ينشغل المجتمع الفلسطيني بالكورونا ويتحدث الجميع حوله وينتظر العقلاء رأي وسلوك أهل الاختصاص، تذهب نقابة الأطباء باتجاه إعلان الإضراب والتلويح بتصعيد أكثر واستخدامهم لاستراتيجية جديدة جوهرها التقليل من قدرة المستشفيات على مواجهة «كورونا» وواقع التجهيزات الطبية، وإجوا يكحلوها فعموها، فأعلنوا الإضراب فوق هذا الوصف، وكأن المرضى أسرى لديهم لحين تحقيق مطالبهم النقابية، وهذا نتاج تنافس سياسي لأن الذين يقودون النقابة اليوم ممن رشحوا أنفسهم خارج قوائم حركة فتح وفازوا، بالتالي يرون أن هذا الإضراب سيؤدي الى نتيجة نقابية تعزز دورهم في نظر الأطباء.
كل هذه المعطيات بالامكان التعامل معها باستثناء سيطرة الموضوع على مواقع التواصل الاجتماعي وتحويله الى «مسخرة» والاعتقاد أن تلك «المسخرة» تخفف من وطأة الواقع على الشخص الذي يمارسها، وينسون أن المتلقي قد يصاب بالمرض افتراضياً من كثافة الإشاعة و»المسخرة» واقتباس مقاطع مصورة تثير رعباً أكثر من الفائدة وتصوير الكمامات والتعقيم والادعاء أننا لا نهتم بهذه السلوكيات مثل غيرنا، وخصوصا أولئك المحترفين في استلام قضية عبر مواقع التواصل الاجتماعي، واستمرار التعليق حولها مرة تلو مرة، وعندما جاء «الكورونا» الى الساحة استخدموا ذات الأسلوب للتعاطي معه وكأنهم يتندرون مع بعضهم البعض أثناء تناول صحن حمص وينسون أنهم يتركون آثاراً سلبية على المتلقي.
وبدلاً من أن يتم التعاطي مع أي خلل بالإمكان حله بالصمت والمبادرة، يصبح موضوعاً لإخافة المجتمع من عيار الاتصال بإذاعة محلية وإبلاغهم أن مدرسة في موقع جغرافي لها يومين بدون مياه وحال الطلبة مصيبة، وفي ظل «الكورونا» أين هي الوزارة، أين المختصون؟ هل يجب أن يمرض الناس، وكأن تنك مياه بمبلغ بسيط بعجز قرية أو مدينة أو ميزانية مدرسة أو غيرها، فبدلاً من إثارة الذعر والتحريض على المدارس علينا بالمبادرة والتنسيق المجتمعي بدلاً من اللجوء للاعلام.
«الكورونا» فايروس يتعامل العالم باجتهاد للقضاء عليه، الا أننا لغاية اليوم لم نصل لذلك، وبما أن مجتمعنا متلقٍ ولن يكون مخترعاً ولا مكتشفاً للعلاج بالمطلق، بالتالي علينا الا نحمل انفسنا ما لا نحتمل ويجب أن نعتمد أساسيات الوقاية المنطقية دون هلع وخوف، وفي ذات الوقت هناك جهات اختصاص تتعامل مع الجهد الدولي وتتبع التعليمات وتطبقها في مجتمعانا، ونقلل الفتاوى القائمة على الشائعات أو إثبات الذات على حساب المجتمع وتخوفاته من انتشار الوباء، ولعلنا نصحو هذه الأيام ونجد الأطباء قد عادوا عن إضرابهم وشمروا عن سواعدهم لخدمة المرضى.