ست علل في حالة غانتس
في عدد سابق لـ«الشرق الأوسط» كتبت مقالاً بعنوان «ظاهرة نتنياهو». وفي هذا المقال سأتحدث عن حالة منافسه الجنرال بيني غانتس.
اقتحم الحياة السياسية المدنية في إسرائيل على نحو مفاجئ، وعلى غير المألوف في تاريخ الزعامات الإسرائيلية، كوّن غانتس لنفسه رصيداً جماهيرياً كبيراً في أقل فترة زمنية، وفي استطلاعات رأي عدة تفوّق الجنرال على الساحر، ولو بنسب ضئيلة شكّلت في حينها اختراقاً قوياً لجدار نتنياهو الذي بدا لفترة طويلة كما لو أنه عصيّ على الاختراق.
وبديهي أن يتراكم انطباع بأن الجنرال الخارج لتوّه من الخدمة العسكرية رغم قلة إنجازاته، هو الأكثر جدارة وتأهلاً لإطاحة رئيس الوزراء المتشبث والحائز إجماع اليمين حول جملة لم يحظَ بها غيره من قبل: «نحن مع رئيس وزراء فاسد من عندنا... ولسنا مع قديس أو عبقري من عند غيرنا».
تدحرجت كرة غانتس الثلجية وتضخمت، وساعدها على المواصلة تبني ممثلي العرب وبقايا اليسار وبعض اليمين ممثلاً في ليبرمان، مما وفر له فرصة أولوية التكليف بتشكيل الحكومة دون ضمانة في النجاح، بفعل تساوي المعسكرين في عدد النواب وعدم القدرة على اجتياز بوابة الفوز.
في حالة غانتس ست علل قاتلة، واحدة منها تكفي للتراجع أو حتى السقوط:
أولاها: أن الرجل ليس قائد حزب له حضور فعال في الحياة السياسية الإسرائيلية، ذلك على عكس منافسه المحصن بحزب قوي يملك مؤهل قيادة ائتلاف عقائدي متماسك.
والثانية: أن غانتس واحد من أربعة، وكل واحد من الثلاثة الآخرين يرى نفسه، ولو في داخله، أكثر جدارة منه في قيادة الدولة، وهذا بحد ذاته مستنبت لظهور انشقاقات قد تودي بالتشكيل وقدراته.
والثالثة: الجنرال غانتس حصد ناخبين ومقاعد بفعل كراهية نصف الجمهور نتنياهو وفساده وتشبثه، وليس بفعل المنافس وقوة حضوره وتميز شخصيته القيادية التي لم تجرب بالقدر الكافي، ومن يَبْنِ رصيده على كراهية منافسه، فلن يرى النجاح إذا ما اشتدت المعارك وطال أمد اختبارات الجدارة.
الرابعة: أن الجنرال غانتس ربط نجاحه بنوعين من الخيانة لا بد من حدوثهما كي يحظى بمنصب رئيس الوزراء: الأول خيانة ليبرمان ليمينيّته وتخليه عن بعض ثوابته. وخيانة محتملة من بعض حلفاء نتنياهو مثل حزب «شاس» الذي يصوّت لأي رئيس وزراء يقدم دعماً مالياً له أكثر من غيره، دون الالتفات إلى فصيلة دمه السياسي، ومثلما توفر هذه الخيانة حسماً لصالح معسكره، فهي توفر العكس؛ أي لمصلحة معسكر نتنياهو، وبدا أن الاحتمال الثاني هو الأقرب.
الخامسة: في بلد كإسرائيل تلعب الخصائص الشخصية والمؤهلات القيادية لمن يقرر خوض معركة رئاسة الحكومة تحديداً؛ دوراً بالغ الأهمية في فتح الفرص أو إغلاقها، ولا جدال في أن الخصائص الشخصية لغانتس أقل جودة من خصائص منافسه؛ ذلك أن الجنرال الخارج من الخدمة العسكرية لا يملك قوة الحضور الإعلامي ولا التحالفات الإقليمية والدولية، ولا الإنجازات السياسية التي يستطيع تسويقها، على عكس نتنياهو الذي إن كانت له موهبة مميزة فوق مواهبه الأخرى؛ فهي تسويق إنجازات سياسية، ولا فرق في أن تكون حقيقية أو مدّعاة.
أما السادسة أخيراً التي تتوج كل ما تقدم، فهي امتلاك نتنياهو القدرة على الهجوم القوي والمستمر بالحق وبالباطل، وهذا ما لا يمتلكه غانتس.
كل ذلك دون إيراد دور الحليف الطارئ والمستجدّ لنتنياهو الذي هو «كورونا».