درس صيني للدول العربية في مواجهة الوباء
«ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب لعلكم تتّقون»، والمؤكد أن المقصود بهذه الآية الكريمة بنو البشر كلهم وليس فقط أتباع الأديان السماوية، المسلمون والمسيحيون واليهود... ولهذا فإنَّ الخوف من العقوبات هو الذي ردع الصينيين في مدينة «ووهان» وفي غيرها عن أنْ يبقوا يتجمعون في الساحات العامة وأن يأووا إلى بيوتهم، وإلا لكان هذا الوباء الذي بات يجتاح الكرة الأرضية كلها، قد أفنى الملايين من الشعب الصيني، وحقيقةً إن نظام هذا البلد الردعي هو الذي أنهى المواجهة مع «الجائحة» في بلد يجتاز عدد أهله المليار ونصف المليار.
إنّ هذا ليس «ترويجاً» للنظام الصيني (الشيوعي) الذي على رأسه شي جينبينغ ولكن لتأكيد ما جاء في هذه الآية (القرآنية) الكريمة، إذْ إنّ خوف أهل مدينة «ووهان» من القَصاص الذي سيتم تنفيذه بهم وبأيٍّ منهم يبقى في ساحة هذه المدينة التي من الممكن أن تصبح منكوبة، هو الذي جعل الصين تسيطر على الأوضاع خلال أيام قليلة بل وتبادر إلى مساعدات عاجلة إلى الدول التي كانت ولا تزال بحاجة إليها، ومن بينها إيران وإيطاليا وربما غيرهما في الآونة الأخيرة.
وهذا يعني أنّ الأمور في مثل هذه الحالات بحاجة إلى القرارات الحاسمة السريعة، وبحاجة أيضاً إلى التنفيذ العاجل لأنّ هذا الوباء لم يكتفِ بأول بلد ظهر فيه، والأميركيّون وغيرهم يقولون إنه الصين، في حين أنّ آخرين يقولون لا بل إنه إيطاليا التي جعلت «ميوعة» الحكم فيها هذا الـ«فيروس» المتوحش ينتقل منها إلى الدول المجاورة ولاحقاً إلى معظم دول الكرة الأرضية ومن بينها الولايات المتحدة التي كما هو معروف تختبئ هناك وراء بحور الظلمات ومن بينها الدول الأوروبية كلها التي جميعها، وليس بعضها، قد تهاونت كثيراً مع «كوفيد - 19» ولم تبادر إلى مواجهته إلاّ بعدما تغلغل في شرايين أوروبا كلها ومن دون استثناء حتى ولا دولة واحدة.
ويقيناً لو أنّ روما قد بادرت إلى فعل ما فعلته بكين ولو أنه توفر لها ولغيرها ما وفّره شي جينبينغ لـ«ووهان» والصين كلها لما كانت الأمور وصلت إلى ما وصلت إليه ولما أصبح سكان الكرة الأرضية يعيشون كل هذا الرعب الذي باتوا يعيشونه ولانتهى هذا الـ«فيروس» المرعب كما انتهت «فيروسات» قاتلة كثيرة حتى في القرن العشرين الذي كانت بداياته مرعبة بالفعل وكما كان حدث في بعض الدول الأوروبية ومن بينها إسبانيا كما يقال!
والمشكلة في هذا كله أولاً أنّ بعض الدول العربية لم تنتبه إلى هذا الفيروس المرعب إلا متأخرة جداً، وأنّ دولاً أخرى قد تصرفت وقد تعاملت مع الأمور على أساس «تبعيتها» لإيران التي ثبت أنها تعاملت مع «كورونا» الذي كان قد وصلها في وقت مبكر بأسلوب بدائي جداً، حيث دعت «المصابين» بهذه الآفة المرعبة إلى الذهاب إلى المقامات الدينية كمرقد السيدة معصومة في مدينة قم، وكمرقد السيد علي «الرضا» في مدينة مشهد، وهكذا حتى تفشّى هذا الفيروس القاتل في هذا البلد الذي ابتُلي بهذا النظام المتخلف والبائس وجاء الاستنجاد بالصين متأخراً جداً وأصبحت الأوضاع أكثر مأساوية وعلى ما هي عليه الآن.
وتجدر الإشارة هنا إلى أنَ بعض الدول العربية وفي مقدمتها سوريا مستمرة في إنكار وصول هذا البلاء القاتل إليها، وذلك مع أنّه قد وصل إلى الدول المجاورة كلها، الأردن والعراق وتركيا وأيضاً إسرائيل التي تحتل قواتها هضبة الجولان السورية، ومع أن المعلومات المؤكدة تتحدث عن أن هذا البلد الذي ابتُلي بهذا النظام الذي لا يهمه إلا نفسه وبعض من ينتسبون إلى طائفته كان قد وصله هذا الـ«كوفيد - 19» مبكراً، وأن الإيرانيين الذين استوطنوا «القُطر العربي السوري» والذين لهم وجود عسكري فيه بحجم الوجود العسكري الروسي وأكثر قد نقلوا إليه هذه الـ«جائحة» المرعبة والمثل يقول إنه لا يمكن تغطية عين الشمس بـ«غربال»!
وبالطبع فإن هناك جهات عربية أخرى من بينها «حوثيو» اليمن هم بدورهم ومثلهم مثل النظام السوري ما زالوا «يغطون عين الشمس بغربال» وذلك في حين أن كل المعلومات المتوفرة والمؤكدة تشير إلى أن الإيرانيين؛ إنْ قوات «عسكرية»، وإنْ أجهزة أمنية، وأيضاً وإن تجاراً، وإنْ ما هبَّ ودبَّ... قد نقلوا إلى هذا الجزء من هذا البلد العربي، الذي لن يكون في النهاية وكله إلا عربياً، ما نقلوه إلى العراق وإلى سوريا... وأيضاً إلى لبنان بدايةً بضاحيته الجنوبية.
ثم هذا يجب أن يقال أيضاً وبصوت مرتفع إنّ هناك عداءً بالنسبة إلى العالم العربي كله وأيضاً بالنسبة إلى شعوب هذه المنطقة كلها وبين القرارات والمواقف الحكومية وحتى عندما تكون ضرورية ومطلوبة وفي الاتجاه الصحيح، وهذا قد عانى فيه الأردن عندما بادر إلى اتخاذ قراراته وإجراءاته الأخيرة واضطر إلى تكليف قواته المسلحة بضبط الأمور والسيطرة على عمان العاصمة والمدن الأخرى ومنع التجول في شوارعها وإلزام الأردنيين بالبقاء في بيوتهم لوقت محدد ليسهل التصدي لـ«كورونا» القاتل، والتأكد أنه لم يعد له وجودٌ في المملكة الأردنية الهاشمية.
وعليه فإن القوات الأردنية المسلحة التي لها كل التقدير والاحترام لدى الأردنيين كلهم اللهم باستثناء بعض «الشوائب» الهامشية، قد اضطرت في اليوم الأول من وجودها في عمان والمدن الأردنية الأخرى من اعتقال بعض الـ«فوضويين» وتطبيق قرار السجن لمدة عام عليهم الذي كان قد اتُّخذ في إطار تطبيق الأحكام العرفية المؤقتة «بالطبع»!
وهنا وما دام أن الشيء يُذكر بشيء آخر، فإنني قد سمعت من بعض الأشقاء العراقيين وبعضهم في مواقع المسؤولية، أنه عندما تم تزويد شوارع بغداد بـ«الإشارات الضوئية» لتنظيم السير في العاصمة العراقية كان العائدون إلى منازلهم في أواخر الليل لا «يحترمون» هذه الإشارات ولا يتوقفون حتى عندما تصبح حمراء، ما دعا الجهات المعنية إلى تزويد هذه الإشارات بحراس ليليين، لكن ومع ذلك فقد بقي قطع الإشارة الحمراء يتم بالطريقة السابقة وكان البعض لا يتردد في أن يوجه شتائم بذيئة إلى هؤلاء الحراس.
وكما يقال وكما سمعت و«العلم عند الله» أن صدام حسين قد فرض «إتاوة فورية» البعض يقول إنها خمسة دنانير والبعض يقول لا بل عشرة، على كل مخالف لأي إشارة ضوئية، لكنّ الوضع قد بقي على ما كان عليه، إلى أن كان هناك قرار من الرئيس العراقي بالقبض على أول مخالف وتعليقه شنقاً على عمود الإشارة الضوئية والإبقاء عليه في هذه الحالة لبضعة أيام... مما أدى إلى انضباط كالانضباط في الدول الأوروبية وهذا بقي بعضه سائداً حتى الآن... وهذا هو ما سمعته من بعض «الرفاق» وبعض الأصدقاء قبل انتهاء «العهد البعثي» في عام 2003... والله أعلم!
وهكذا فإن المقصود في النهاية هو أنّ هناك، إنْ في الأردن وإنْ في العديد من الدول العربية، من يرى أن «الليونة» في الحكم تعني الخوف منهم، وحقيقة أنّ هذا حصل في الفترة الأخيرة عندما اتخذت الحكومة القرارات الصارمة التي اتخذتها كي تستطيع التعاطي مع ظاهرة «كورونا» بطريقة ناجحة وصحيحة... وهذا ربما ينطبق على بعض الدول العربية أيضاً.