(جامعات الوطن في ظل جائحة كورونا بين إنجاح التعليم الألكتروني ومواجهة شح الموارد المالية)
تعتبر مؤسسات التعليم العالي في فلسطين من أهم المؤسسات التي قامت بدور وطني مميز قبل نشوء السلطة الوطنية الفلسطينية عام 1994 م من خلال دورها في تخريج أجيال فلسطينية كان لها عظيم الأثر في الواقع الفلسطيني سياسيا وإقتصاديا وأكاديمياً ، بل تجاوز حدود فلسطين لتترك هذه الأجيال بصمات واضحة على كثير من الدول العربية وقصص نجاح وابداع في كثير من دول العالم .
وما يميز مؤسسات التعليم العالي في فلسطين هو أن معظمها جامعات عامة غير حكومية (غير ربحية) تحمل رسالة أكاديمية سامية حافظت على أدائها في أحلك الظروف التي مرت على شعبنا الفلسطيني طيلة السنوات الماضية، واليوم تسطر الجامعات الفلسطينية نجاحاً كبيراً وتحدياً رائعاً لواقع الإغلاق في المدن الفلسطينية من خلال استنهاض همم الهيئات التدريسية والطواقم الإدارية والطلبة، في ظل تبني نظام التعليم الإلكتروني الذي حول البيوت من أماكن يغزوها الملل والإحباط الى خلايا مفعمة بالنشاط والهمم العالية، ومن واقع الحال في الجامعة التي أعمل بها وأنتمي لها (جامعة القدس) كإحدى الجامعات العامة التي تعتبر مثالا واضحا من حيث التميز والإبداع والدور الأكاديمي والاجتماعي في فلسطين ومدينة القدس خاصة ومثالا صعبا من حيث التحديات والصعاب التي تواجهها الجامعة نتيجة موقعها الجغرافي ودورها الاستثنائي في مدينة القدس فقد وضعت الجامعة كل الإمكانيات لإنجاح تجربة التعليم الإلكتروني وقامت بتوفير كل الوسائل اللازمة لتكون العملية الأكاديمية ذات مصداقية عالية وبنفس الوقت سهولة وسلاسة التواصل بين الاستاذ وطلبته، وهذا النجاح في العملية التعليمية الإلكترونية الذي بات واضحا أمام الجميع يعتبر الوجه المشرق والايجابي لحالة الإغلاق نتيجة جائحة كورونا . ولكن هناك وجه آخر قاتم وخطير داخل مؤسساتنا التعليمية متمثل في وقف تام لتدفق شريان الحياة الرئيسي الذي يغذي هذه الأجسام التعليمية الرائدة والمتمثل بأقساط الطلبة نتيجة الإغلاق التام والتردي الإقتصادي العام، مما لم يمكن الجامعات العامة خاصة التي تعتمد النظام الميسر (التقسيط) من تحصيل أقساط الفصل الدراسي الثاني مما سيضعها امام تحدي كبير يتمثل في عدم القدرة على الوفاء بإلتزاماتها التشغيلية خاصة رواتب العاملين فيها الذين يتجاوز عددهم السبعة الاف موظف، حيث تعمل معظم الجامعات العامة وفق خطة طوارئ نتيجة هذه الظروف، وسيؤدي طول أمد الأزمة الحالية إلى تعمق المشكلة المالية في الجامعات والوصول إلى طريق مسدود ينذر بتعطل مسيرتها الأكاديمية.
الجامعات الفلسطينية هي بيوت المعرفة ، مصنع العلماء وضامنة البقاء للفكرة والثقافة والقلم ، لا بد أن تكون دوما في أولى أوليات قيادتنا الفلسطينية الحكيمة دعما ومساندة ضمن البنود الأساسية في الموازنة العامة وجزءاً من خطة الطوارئ، حيث ان دعم التعليم ومؤسساته له اثر كبير في تطوير مخرجات التعليم، وكذلك المحافظة على الإستقرار الإقتصادي لقطاع كبير من العاملين والذي لاشك انه سيؤثر بشكل ايجابي على استدامة التنمية والتطور الإقتصادي بالمستقبل.