قم للمدير ووفِّه التبجيلا
العلاقة بين الوزير والمدير، وبين المدير والجمهور علاقة كانت وظلت مصدراً للكثير من الحكايات والأشعار والأقوال الشعبية. وقد أغنت عالم الأدب العالمي بالكثير من المسرحيات الكوميدية. وما هي بالظاهرة الجديدة. فقد كانت شكوى الشعراء والأدباء والعلماء من الحاجب من مظاهر الحياة العامة في التاريخ العربي. وقد أوردت نماذج من ذلك في مقالاتي السابقة في هذه الصحيفة.
ومما يحكى في ذلك أن شاعراً قصد الحسن بن وهب فقابله الحاجب بجفوة وصلافة جعلته يسيء الظن بالحسن حتى اكتشف أن صاحبه براء من ذلك، وإنما هو ديدن الحاجب في التنكر للبعض والتزلف للبعض الآخر ممن يرجون منهم خيراً. وأي خير يرجون من شاعر؟ فبعث هذا بأبيات يدعو فيها صاحبه إلى تأديب حاجبه فيقول:
قد كنت أحسب أن طرفك ملني
ورميت منك بجفوة وعذاب
فإذا هواك على الذي قد كان لي
وإذا بليتنا من البواب
فاعلم، جعلت فداك، غير معلم
إن الأديب مؤدب الحجاب
لقد ذهب الحجّاب وحل محلهم مدير المكتب الآن، والبواب والفراش. ولهذا أيضاً حكاياته التي ضج بها الشكاة والزوار والمراجعون. ولم يخف ذلك عن ملاحظة الرجل الظاهرة، وأقصد به طبعاً الدكتور غازي القصيبي، رحمه الله. كان أبو سهيل وزيراً عندما دعي إلى حفلة اجتماعية حضرها عدد من المسؤولين والموظفين كان بينهم نخبة من مديري مكاتب الوزراء. وقد شاء على عادته أن يداعب مديره الخاص بأبيات ظريفة ألقاها في حينه وقال:
قم للمدير ووفه التبجيلا
كاد المدير أن يكون الغولا
أرأيت أفظع أو أشد من الذي
«لطع» المراجع حين جاء طويلا
عجباً له لا تنتهي كذباته
كم يحسن التبرير والتأويلا
قال الوزير بلجنة فتساهلوا
يا ربعنا لا تشغلوا المشغولا
من لجنة لزيارة لسخونة
أعذاره تدع السليم عليلا
وإذا أتته معاملات صفها
في خانتين بدرجه مقفولا
فإذا رأى صفو الوزير معكراً
عرض التي يرجو لها التعطيلا
وإذا رأى أن المزاج مهيأ
عرض التي يبغي لها التعجيلا
ويصيح «قد أمر الوزير فبادروا»
من لم ينفذ يصبح المفصولا
ويقول «قد قال الوزير لكم كذا»
والله ربي عالم ما قيلا
وإذا أتاه من «الجماعة» زائر
أبدى له الترحيب والتأهيلا
في لحظتين إلى الوزير يزفه
ويدق من فرح اللقاء طبولا
قم للمدير ووفه التبجيلا
فلقد غدا هذا المدير وكيلا!