استثمار "كورونا"
من أجل المضي قدما فإن الرؤى الجيدة ليست جيدة بما يكفي؛ ربما نحتاج أيضا من وقت لآخر فترة من عدم الاستقرار أي أزمة قوية حقيقية ـــ على الرغم من أن المجتمع الفلسطيني واجه ويواجه العديد من الأزمات ــــ من أجل تعديل المسار أو تصحيحه وتقوية ما هو قائم للانتقال إلى مستقبل أفضل، لهذا يمكن للأزمة أن تكون ذات قيمة لا تقدر بثمن إذا ما استطعنا استغلالها بحيث ألا ندعها تصبح حجر عثرة.
الخطوات التي على كل قائد في موقعه أن يخطوها تتمثل في نجاح استثمار الأزمة من خلال قبولها وتحويل التهديد الى فرصة، ثم علينا الاستفادة من انعدام الأمن الذي يصاحب ذلك وتحويله أيضاً الى أمن لقطاعات أخرى بتنميتها، وهذا بحاجة الى تجميع قُوتنا وتوجيهها عن عمد لإحداث اختراقات لم نكن نستطيع عملها أو كُنا نستطيع لكن بصعوبة بالغة؛ لهذا في ظل الأزمة هذا هو الوقت للقيام بذلك، إذاً، علينا ألا ننتظر هدوء العاصفة ولا ننظر للخلف، بل نركز على المستقبل بحسم وقوة.
بوضوح أقول، إن أزمة "كورونا" وإن كان سببها مرضا يقف خلفه فيروس لكنها ليست أزمة صحية فقط!! بل أصاب هذا الفيروس جميع القطاعات المحيطة بالإنسان، مثلاً هي أزمة اجتماعية بالتالي نستطيع النظر لها بمنظور آخر بحيث تنطوي على إمكان جمع الناس معا لصياغة طرق جديدة للعمل من أجل الصالح العام. كل هذه الأزمات التي وُلدت بعد "كورونا" تفتح فرصا للسعي للقيام بما لم نتمكن من القيام به من قبل لأن كل منها خلق الدافع للتفكير العميق والبحث عن أفكار وإجابات جديدة.
في الأزمات، نستطيع استبدال السياسات الفردية (الأنا) بسياسات الاستثمار الجماعي (نحن) لبناء القدرات والتي من خلال القيام بذلك نُسخر ابتكارات الأفراد المُكونين للمجتمع لإيجاد حلول جديدة. سيُشارك المجتمع بالسلطة ليوجهوا دعمهم بأنفسهم ليصبحوا مسؤولين عن حياتهم.
سوف نخلص أنفسنا من البيروقراطية والتجزئة البائسة التي تبتلى بها جهود العديد من المواطنين ليعيشوا حياة عادية من خلال إعادة ترتيب ودمج الرعاية الصحية والاجتماعية والمزايا ودعم التوظيف حول خطط الوصول إلى المعيشة الفردية الموحدة.
إن التركيز على حقوق المواطنة في "التواجد في العالم" يتحدانا للتركيز ليس فقط على إغلاق المؤسسات والمُنشآت المختلفة، ولكن على كيفية فتح المجتمعات بمسؤولية من أجل تحقيق استدامة عجلة التنمية؛ لذلك يتطلب منا أن نفكر فيما وراء إلغاء قوانين أو إضافة قوانين للنظر في كيفية تمكين العمل الاجتماعي المتضافر للناس من ممارسة القدرات والحفاظ عليها.
إنه يتطلب منا ألا نفكر فقط في طبيعة المعاملات بين الأفراد والخدمات، ولكن حول كيفية دخول المواطنين إلى شبكات العلاقات حولهم والمساهمة فيها والاستفادة منها. يمكن أن يلمح مثل هذا التفكير في أكثر الأساليب تقدمية لدعم اتخاذ القرار في كافة المؤسسات المكونة للأنظمة السياسية، المجتمعية، الاقتصادية، الثقافية، العلمية، الإعلامية....الخ.
حتى هذه اللحظة، قليلة هي المؤسسات التي استثمرت الأزمة الحالية بطريقة مفيدة لتحقيق أهدافها، وحتى أكون صادقا هناك مؤسسات كثيرة لم تقدم أي خطة طوارئ في كيفية تعاملها مع الأزمة وتقديم أفضل الخدمات للفئات التابعة لها.
من خلال الاستفادة من الأزمة فإننا نوفر طريقة معقولة للمضي قدما، يمكن من خلالها السعي إلى تحقيق حقوق المواطنين في المشاركة الكاملة بالبحث عن طرق أكثر فعالية واستدامة للاستفادة من الموارد حولنا، والأهم من ذلك كله، يساعد هذا التفكير على جعل الأمل ممكناً بدلاً من اليأس. ليُفكر كل منا بطريقته كيف يمكن الاستفادة من الأزمة بطرق مبدعة خصوصاً في ظل عدم معرفتنا متى ستنتهي؟!