لا صحة دون اقتصاد .. والعكس صحيح!
كتب رئيس التحرير: العالم يعلن بشكل واضح أن العلاج لوباء فايروس كورونا يحتاج بحده الأدنى لعام كامل، وهناك إختلاف في العالم بطريقة الأليات والإجراءات لمواجهة هذا الفايروس تتراوح بين أولوية الصحة والحياة، وبين أولوية الحياة الاقتصادية ودورانها.
فلسطين لها خصوصية كشعب يرزح تحت الاحتلال الذي يتحكم بإقتصاده وموارده الطبيعية والمعابر البرية والجوية والبحرية، لكن وضمن المساحة الضيقة التي لدينا، واجبنا أن نضع خطة توازن بين الحفاظ على حياة وصحة البشر وأهمية استمرار دوران العجلة الاقتصادية، حيث انه دون إقتصاد صامد وقوي، سنفقد الصحة والاقتصاد معاً، ودون الاهتمام بالصحة سنفقد حياة البشر الذين هم أساس وهدف الاقتصاد.
نجحت خطوة فتح بعض القطاعات التي اعلنتها الحكومة الفلسطينية مع التزام مقبول من المواطنين بأسس عدم الاختلاط والوقاية باستمرار، وبالتالي هذا إتجاه وَجب الاستمرار به تدريجيا حتى نضمن عدم الانهيار للقطاع الصحي أو إنهيار عجلة الاقتصاد حيث أن قوة القطاع الصحي تأتي من وجود إقتصاد قوي للدولة.
كل ذلك يتم في ضوء إتخاذ أقصى درجات الحيطة والحذر، على الحكومة أن تسمح مثلا بعودة محلات البناء ومستلزمات الزراعة ومصانع الأعلاف والتي فيها قدرة عالية للتحكم بها بأساليب الوقاية و بعدم الاختلاط مع توفير الإمكانات لقطاعات مختلفة للعمل عن بُعد مثل قطاع الاتصالات والبرمجيات والإنترنت حتى نصل لفتح المدارس الخاصة والعامة والجامعات عندما يكتمل الوعي الشعبي.
عند تشغيل شركات ومصانع، سيحتاج الأمر لمواصلات وتنقلات للعمال وحتى وجبات جاهزة و من المهم معالجة ذلك بقمة الوعي بحيث يُمنع مرحلياً استخدام عمال من خارج المدينة او القرية وضرورة إبقاء كل الحدود مغلقة وتحت السيطرة.
أمريكا والتي وصلت الوفيات فيها حوالي 37 الف حالة واقتربت الإصابات من المليون بسبب انتشار الفايروس، أعلنت عن ثلاث مراحل لمواجهة ارتدادات الإجراءات والإغلاقات المتخذة وقال رئيسها ترمب، لا يمكن مواجهة كورونا بالإغلاقات الدائمة بل من خلال عودة الحياة والعمل للمناحي الاقتصادية في المقاطعات المختلفة مع مراعاة الخصوصية لكل مقاطعة، وكذلك جمهورية الصين إستأنفت العمل بنسبة تزيد عن ال 50% من شركاتها وبعض المناطق وصلت ل 100%، ألمانيا قالت أنها تُسيطر على إنتشار الفايروس وتعيد الحياة الاقتصادية لحيويتها علما أن لديها نظام صحي عالي القدرة والكفاءة للتعامل مع الإصابات.
في صراعنا مع أخطر وباء وهو وباء الاحتلال، أصبح لدينا خبرة أكثر من دول المحيط في مواجهة الجائحة و شعارنا للتعامل مع إجراءات المحتل، الموازنة بين توفير حياة كريمة للناس ومقاومة الاحتلال وكنا نَهتف دوما "لا للجوع ولا للركوع لوباء المحتل"، حيث أن غياب لقمة العيش ستُضعف مقاومة الاحتلال، وبالتالي لدينا الخبرة والقدرة لخلق توازن بين الصحة والاقتصاد.
عندما نطرح الموازنة بين الصحة والاقتصاد لا نعني بأي شكل من الأشكال إهمال الوقاية اللازمة فإننا مرحليا لم نطرح فتح المقاهي والفنادق وحتى المطاعم (والتي من الممكن فتحها فقط للطلبيات الخارجية) ولا دُور العبادة من كنائس ومساجد نظراً لعدم السيطرة على إنتشار الفايروس من خلالها، بل نطرح فتح قطاعات ضرورية وحيوية وهامة للدولة تدريجيا تكون تحت السيطرة ومن خلال لجان و خبراء إقتصاديون بإشراك وزارة الصحة ووزارة الاقتصاد والعمل.
الهدف من ذلك منع ومواجهة أية إرتدادات جانبية في مواجهة إجراءات الحكومة من إغلاقات واحتياطات وسياسة المنع الدائم أهمها زيادة كبيرة بنسبة الفقراء و تدمير قطاعات واسعة من الشركات المتوسطة والصغيرة وتصل لتدمير شركات كبيرة أيضا، و زيادة البطالة بنسبة مضاعفة ناهيك عن إرتدادات إجتماعية كبيرة تصل لإنتشار السرقات والجرائم، وقد تصل إلى خروج إحتجاجات ومواجهات مع الشعب بسبب عجز الحكومة عن توفير لقمة العيش للكثير من شرائح الشعب.
علينا أن لا نجعل الخيار بين الجوع وفيروس كورونا، لأن الناس بلا تردد ستختار كورونا. الصحة والاقتصاد خطان متوازيان يجب أن يسيروا جنباً إلى جنب.