المساعدات في ظل فيروس كرونا في مدينة القدس المحتلة
منذ إعلان السلطة الوطنية الفلسطينية حالة الطوارئ بدأت الوزارات والمؤسسات الحكومية والقطاع الخاص ولجان الطوارئ، إلى جانب رجال الأعمال في محاولة احتواء تداعيات فيروس كورونا في مدينة القدس المحتلة من خلال تقديم مساعدات عينية في ظل الحجر المنزلي، إلى جانب إعفاء بعض أصحاب العقارات للمستأجرين من دفع الإيجار، هذه الجهود الخيرة ليست بغريبة على أبناء شعبنا. أملين لو أنها خضعت لنظام تكاملي يجتمع فيه كل هذا العطاء المتأصل بين أبناء شعبنا ليعمم ويشمل جميع مستحقيه، مع دراسة معمقة للأزمة التي قد تستمر لعدة شهور ولا يملك أحدا في العالم تاريخ محدداً لنهايتها، بدأ الجميع بتقديم المساعدات دون دراسة الحالات المبنية على تقييم الاحتياجات الخاصة بالأسر الأكثر فقراً، فنتج عن ذلك عشوائية التوزيع حيث حصلت العديد من الأسر على مساعدة من أكثر من جهة، في حين أن الكثير من الأسر التي تستحق لسوء أوضاعها لم تستلم أي مساعدة من أي جهة.
وعند تعمقنا في واقع مدينتنا المقدسة لما تُعانيه منذ احتلالها من قبل الاحتلال الإسرائيلي عام 1967م حتى الآن، لوجدنا أن الإجراءات التي اتخذتها بحق مؤسسات القدس الوطنية، من خلال إغلاق الكثير منها، والحد من نشاطات بعضها الأخر وخاصة التي تتلقى تمويلها من السلطة الوطنية الفلسطينية، ومن جهة أخرى منعت أي وجود لمؤسسات حكومية فلسطينية داخل حدود مدينة القدس المحتلة، لوجدنا أن هذه الإجراءات هي كانت من أسباب زيادة عشوائية التوزيع، والحد من قدرتهم على الوصول إلى الفئات الأكثر فقراً والتي تضررت بشكل كبير في ظل هذه الجائحة، ومن هنا سيتم التركيز في هذا المقال على آلية توزيع المساعدات، والمعيقات التي واجهتنا، والأسباب التي أدت إلى ذلك.
بما أن مديرية التنمية الاجتماعية الفلسطينية تقع في مدينة أبو ديس خارج حدود بلدية القدس، الذي أغلب موظفيها ليس من حملة الهوية المقدسية، وهنا لا أقل من شأن إدارة وموظفي المديري،ة لهم منا كل التقدير والاحترام لما يقدموه من جهد من أجل خدمة القدس، ولكن مدينة القدس بحاجة إلى من يعكس واقعها بشكل دقيق ويسلط الضوء على احتياجاتها، وذلك لن يتم إلا بمعايشة هذا الواقع، ومقابلة المقدسيين عن قرب، وزيارتهم في منازلهم، وبحكم وجودها خارج حدود المدينة فهذا يُشكل معيق أساسي أخر لوصول المقدسيين إليها، لذلك أصبحوا يعتمدون بتقديم خدماتهم على المؤسسات المقدسية الموجودة داخل الجدار، وخاصة المؤسسات الشريكة في البوابة الموحدة، والمجالس المحلية والبلديات خارج الجدار.
فمنذ بداية الأزمة قامت وزارة التنمية الاجتماعية الفلسطينية بالشراكة مع مؤسسات المجتمع المدني باستلام طرود من المتبرعين، وتوزيعها على العائلات المسجلة لديها في ضواحي مدينة القدس المحتلة وبعض الأجزاء التي تقع داخل حدودها، مما تبين فيما بعد أن هناك فجوة بين عدد المحتاجين الحقيقيين في المدن والبلدات التابعة للمديرية، والأسماء المدرجة ضمن بوابة المساعدات، مما زاد عدد العائلات المحتاجة أي بمعنى انه يجب على المديرية في حينه التأني في توقيت المساعدات وعدم البدأ في توزيعها فورا حتى تستكمل عملية التسجيل للعائلات الجديدة التي دخلت ضمن خط الفقر.
وبعد قرابة الشهر والنصف من الأزمة أعلنت الوزارة عن برنامج المساعدات الطارئة للأسر التي تضررت بشكل مباشر من جائحة كرونا، وشرط أن لا تكون هذه الأسر مُدرجة ضمن بوابة المساعدات لدى الوزارة، فهذه الخدمة بحاجة إلى جهود كبيرة، ولضيق الوقت اعتمدت على المؤسسات والمجالس المحلية والبلديات بتزويدها بقوائم لهذه الأسر، فهذا العمل ليس بالسهل يحتاج إلى دراسة احتياجات دقيقة ، وبما أننا بأزمة من الصعب التنقل والزيارات المنزلية، فأصبح الاعتماد على المعارف، وهنا نوجه نحن كاختصاصين في المجال الاجتماعي لدينا خبرة بوضع المقدسيين وما يقدم لهم من خدمات من مؤسسة التأمين الوطني، لذلك وجب عليكم كمؤسسات، وكأفراد أن تأخذوا بعين الاعتبار بأن جزء من المقدسيين يعملون بالوظائف الحكومية رواتبهم ما زالت سارية المفعول، والعمال الذين يعملون بالداخل المحتل يحصلون على 70% من راتبهم بدل بطالة، وجزء يحصل على 50% بدل أجرة مسكن، وجزء منهم الزوجان يعملان في مؤسسات حكومية تابعة لبلدية الاحتلال، وجزء الزوجة تعمل إلى جانب الزوج في الخدمات التمريضية. ومن جهة أخرى جزء من المقدسيين من كلا الجنسين العاطلان عن العمل يحصلان على مخصصات ضمان الدخل، إلى جانب مخصصات الأولاد، والشيخوخة، والأسرة التي لديها أطفال ذو إعاقة، الى جانب النساء اللواتي يعانين من ظروف اجتماعية كالطلاق، أو الزوج مدمن، أو أرملة. جزء منهن موظفات ويتلقين مخصصات من مؤسسة التأمين الوطني كنفقة أولاد، أو أيتام، ومخصصات أولاد.
نحن لا نغفل عن واقع المقدسيين وما يترتب عليهم من التزامات كأجرة منزل، وضرائب، ومدارس، ومتطلبات أساسية، وأن ما يتلقاه المقدسي من خدمات مقابل ما يدفعها من ضرائب.
ولكن في ظل هذه الأزمة ومن أجل تكثيف جهودنا ومساعداتنا لكي لا تشمل فقط طرد غذائي، بل تتوسع إلى أكثر من ذلك كوننا مقبلين على شهر رمضان الفضيل، يجب أن يكون تركيزنا على المقدسي الذي يعيش في بيت للإيجار ولا يملك أي دخل سوى راتبه الشهري، والمقدسي الذي عليه التزامات بنكية وأقساط جامعية، والعامل الذي يعمل بدون قسيمة راتب، والمقدسي الذي عليه ديون للسلطات الإسرائيلية جراء تراكم الضرائب الباهظة التي تفرضها السلطات على المقدسيين كضريبة الأرنونا مثالاً، وبالمقابل فهو محروم من جميع الخدمات التي تقدمها مؤسسة التأمين الوطني، والمرأة المقدسية المتزوجة من شاب من الضفة الغربية وأمورها عالقة في وزارة الداخلية الإسرائيلية ومؤسسة التأمين الوطني، والأرملة المقدسية التي زوجها المتوفاه من الضفة الغربية، والشباب المقدسي الذي عليه منع أمني هؤلاء هم من يستحقون أن يوضعون في سلم أولوياتنا بالمساعدات، أود من هذه المعلومات والدراسة أن يتم أخذها بعين الاعتبار في تقديم أي مساعدات لأبناء القدس حتى نضمن عدالة التوزيع، وضمان الحد الأدنى من مقومات الحياة وصمود شعبنا في العاصمة المحتلة.
أما فيما يتعلق بالأسر التي تُقيم خارج الجدار، فتلك من مسؤولية البلديات، والمجالس المحلية، هنا أوجه مخاطبتي لهم بضرورة أن تكون من ضمن أولوياتهم أن تكون هناك وحدة للدعم الاجتماعي لديهم، تأخذ على عاتقها إعداد قوائم ومعلومات عن الأسر المحتاجة بصفتها المسئول الأول عن المواطن بالبلدة أو المدينة أو المخيم، وللأسف يتم انتخاب البعض من أعضاء المجالس المحلية والبلدية غير مؤهلين لهذا العمل الضروري والعلمي لما فيه مصلحة أبناء بلداتهم، وقد تبين ذلك في هذه الجائحة عندما كانت المؤسسات أو الأفراد الداعمة للبلد كان بعض هؤلاء المسئولين غير ملمين بأوضاع فقراء ومحتاجين بلداتهم.
وأخيراً أتمنى على كل شخص أن يتمتع بقدر عال من المسؤولية، وعدم الأنانية بأن لا يستلم من أكثر من جهة حتى يتسنى لغيره من تلبية احتياجاته الأساسية، لضمان استمرارية المساعدات وعدم نفاذها في وقت قصير دون أن تؤدي الغرض منها، فأحب لأخيك كما تحب لنفسك
ومن هنا أدعو إلى تكاتف الجهود بين وزارة التنمية الاجتماعية الفلسطينية، والبلديات والمؤسسات في توزيع المساعدات بكافة أشكالها بشكل مدروس وعلمي لما فيه العدالة والمنفعة وعدم الإحراج للأسر الفقيرة والمتعففة.
______
* رئيسة جمعية سوليما للدعم النفسي والاجتماعي