عن استراتيجية الخروج
العالَم الذي أصبح في زمن العولمة قريةً صغيرة مغلقٌ حتى إشعار آخر. أصبحت الأماكن التي كانت تعج بصخب وضجيج الحياة اليومية في الماضي مدن أشباح، الشركات العابرة للقارات أصبحت لا تستطيع العبور من مدينة الى مدينة في ذات الدولة!! لقد فُرضت قيود هائلة على حياتنا من عمليات الإغلاق المختلفة: المدارس، الجامعات، المساجد والكنائس وصولاً الى المقاهي والمطاعم، ثم إلى قيود السفر وحظر التجمعات الجماعية، باختصار شديد فيروس كورونا فرض حظر التجول على العالم بكل مكوناته.
لنتفق إذاً بأنها استجابة عالمية لا مثيل لها لمرض ما!! ولكن متى ستنتهي؟ ومتى سنتمكن من مواصلة حياتنا؟ وجهة نظري_ متمنياً أن أكون مخطئا_ حتى إذا بدأ عدد الحالات في الانخفاض في الأشهر الثلاثة المقبلة، فإننا سنظل بعيدين عن النهاية، قد يستغرق الفيروس وقتًا طويلاً ربما سنوات للوصول الى الحلقة الأخيرة من هذا المسلسل المرعب.
إن الاستراتيجية الحالية لإغلاق أجزاء كبيرة من المجتمع ليست مستدامة على المدى الطويل. فالضرر الاجتماعي والاقتصادي أصبح من الواضح بأنه سيكون كارثياً، ما تحتاجه البلدان هو «استراتيجية الخروج» طريقة لرفع القيود والعودة إلى وضعها الطبيعي تدريجياً وبخطوات مدروسة بحذر.
قرأت العديد من التقارير العلمية والإعلامية؛ وشاهدت كمية لا بأس بها من الفيديوهات التي تتحدث عن هذا الوباء منذ انتشاره في ووهان سابع أكثر المدن الصينية اكتظاظاً بالسكان، أستطيع أن أقول إن الفيروس التاجي للأسف لن يختفي، بطبيعة الحال هذا يعني إذا ما رفعت القيود التي تعوق نشاط الفيروس فسترتفع الحالات حتمًا.
نعم لدينا مشكلة كبيرة فيما يتعلق باستراتيجية الخروج، تتمثل كيف نخرج من هذا الوباء؟ ومتى نبدأ؟ ومن أين نبدأ؟ وهل النظام العالمي مستعد لأن يخطو الخطوات الأولى من أجل البدء بتنفيذ استراتيجية الخروج؟ إنه تحدٍ عالمي من زوايا مختلفة تتمثل في القطاعات العلمية، الاقتصادية، الصحية، الاجتماعية وحتى الثقافية.
أستطيع القول وتلخيص الآراء التي تتحدث حول طرق الخروج من هذا الوباء بثلاث طرق هي:
التلقيح، الناس يطورون مناعة من خلال العدوى، تغيير سلوك المجتمع بشكل دائم. كل من هذه الطرق من شأنه أن يقلل من قدرة الفيروس على الانتشار.
انتظار اللقاح ليس استراتيجية، وأن يطور المواطن مناعة بذاته هو أن نرميه الى التهلكة وإن خرج منها نقول له: الحمد لله على سلامتك، لهذا علينا تجنب الخطابات والسياسات القُطرية وتبنّي تعاون دولي أقوى مما هو الآن يمكن للحكومات حماية مواطنيها، لهذا بدون تعاون عالمي سريع وفعال قد لا يخرج العالم من هذه الأزمة بأمان على الإطلاق.
لذلك ستذهب الحكومات قريبًا إلى إعادة تشغيل الاقتصاد العالمي. وسيتطلب ذلك أولاً: تعاوناً دولياً في عدة مجالات رئيسية، ستحتاج البلدان إلى إمدادات كافية من مجموعات الاختبار ومعدات الحماية، وكذلك أجهزة التهوية والتنفس وإمكانية الوصول إلى الأدوية الناشئة. ثانياً: المراقبة والسيطرة الفعالة على المرض، صحيح أن العديد من البلدان تعارض المراقبة عبر الإنترنت من النوع المستخدم في الصين وكوريا الجنوبية. ولكن مع كون تتبع جهة الاتصال اليدوي مستهلكًا للوقت، فمن الصعب تصور استراتيجية خروج لا تتضمن تطبيقات لهذا الغرض.
ثالثاً: استراتيجية الخروج بحاجة إلى نظام إنذار مبكر للكشف عن ظهور فيروسات جديدة أو متحولة، لكن التحذيرات المبكرة تتطلب من الحكومات إخبار العالم عن الإصابات الجديدة بمجرد اكتشافها، والتي يمكن أن تكون مسألة حساسة. وبالتالي، تحتاج البلدان إلى تأكيدات بأن الإبلاغ عن تفشي الأمراض لن يعرضها للعقاب الفوري في شكل قيود غير ضرورية على السفر والتجارة، وأن أي تدابير من هذا القبيل ستُدخل بشكل تعاوني.
أخيرًا، كلما عملنا بشكل أسرع وأكثر فعالية لاحتواء انتشار الفيروس في الدول الأكثر فقراً وربما فلسطين نموذجاً كونها تخضع تحت سيطرة الاحتلال والأكثر اكتظاظاً في العالم _قطاع غزة بالتحديد_ كان بإمكاننا حماية الجميع بشكل أفضل. ويتطلب ذلك استثمارات عاجلة في الوقاية.