«كوفيد ــ 19» واستخلاص العبر
لم يعد «أبو خالد» يذهب الى وسط المدينة باكرا ليتناول نسخته من الصحيفة اليومية، ولم يلح ذاك الطالب على والديه أن يحضر كرتونا وورقا ملونا ليبني مجسما أو لوحة تعليمية مطلوبة من المس في المدرسة، لم يعد بالإمكان أن يقرأ «أبو نزار» الصحيفة في المقهى الصباحي مع فنجان القهوة.
لكن آخرين كانوا يمارسون انسياب الأفكار في مكان آخر فلم يبحثوا عن مقهى بديل، ولا عن باب خلفي لمطعم قد يغيثهم بوجبة، بل ذهبوا صوب لجنة حي متنوعة الخلفيات من أكاديميين ومهندسين وعمال وصنايعية وربات بيوت وطبيبات، وبعصهم وجد ان بلديته لا زالت قائمة وليس فقط أعمال نظافة فتطوع مع فريقها، ومن الناس من وجد منصات ثقافية افتراضية يقدم من خلالها شيئا، ووجد أن تربويا شمر عن ساعديه ليبحث ويساعد في موضوع التعلم عن بعد.
كثر هم الذين باتوا يسهرون لساعات الفجر الأولى لينتظروا خبرا عن تطورات الـ»كورونا» في الوطن، ولم يعد البحث في المواقع الإلكترونية التقليدية الإخبارية كافيا فذهبوا صوب موقع لصحيفة فلسطينية تحدث موقعها بعد الثانية عشرة ليلا فيقرأ التقارير والأخبار والترجمات وفي الصباح الباكر تصله نسخة الصحيفة عبر الـ»واتس اب».
اعتاد الناس بصعوبة بالغة على الإضافة في الأذان الموحد «صلوا في بيوتكم» ومع هدوء الشارع من ازدحامات المرور وصوت الدراجات النارية بات الصوت واضحا جليا فتتفطر القلوب، بلغنا يوما يغلق فيه بيت الله العتيق والمسجد النبوي والمسجد الأقصى ومساجدنا، وقنعت الناس بأسى ان تصلي في بيوتها متمسكة بالقناعة أن كل مر سيمر.
بات واضحا ان استخدامات الشبكة العنكبوتية لم تعد مراهقة بل باتت ملحة في ظل وباء «كوفيد ــ 19» والجميع باتت بوابته الرئيسية للعمل والتعلم ومراقبة المصالح الاقتصادية والتواصل مع المؤسسات.
وفجأة، عدنا للمربع القديم الأول «نصحح لبعضنا البعض بالقلم الأحمر» الجميع يعتقد انه صاحب أحقية في تقييم كل شيء على قاعدة الشفافية والمساءلة، والأمر بحق خطير فلم يعد الأمر محصورا بل باتت تتسع مساحته خصوصا في فترة الحجر في ظل «كوفيد ــ 19»، وبدأت الأمور بفكاهة يطلقها احدهم على مواقع التواصل الاجتماعي وتجد من يتبناها من عيار «الحكومة بعتت كرتونة مونة أم أنني احلم» ويكتب آخر من العبارات القديمة تزامنا مع الوباء «نحن محافظة موبوءة، ماذا قدمتم لنا»، ويتفنن آخرون بعبارات من عيار «ان البلد تغرق بغلاء فاحش ولا يوجد مستهلك».
وبات مطلوبا ان نتعامل كأننا في سهرة عرس من زمان ما قبل الـ»كورونا» ووجب ان نحيي كل من يدخل الساحة ونغني له، ويا ويلنا اذا نسي المغني ذكر احدهم خصوصا عندما نكون على قناعة ان دورنا ضعيف او متواضع ونريد ان نثير غبارا حول انفسنا لينتبهوا لنا ليس إلا.
اليوم، بات مطلوبا من المواطن ان يوزع دخله بالإنصاف بين القطاعات المختلفة على قاعدة «التعافي الاقتصادي» وعليه ان يخصص جزءا للملابس وآخر للمطاعم وآخر حتى تنال كل القطاعات نصيبها!!!! ونسوا ان المواطن بحاجة لإعادة تأهيل نفسي بعد ما عاشه أيام الحجر الجماعي المنزلي الكامل وبالكاد يتفاعل.
باختصار، لم تعد البلاد تحتمل انقسامات جديدة مفبركة وكأن لدينا شركات نفط أو غاز ولدينا مستهلك صوته مسموع وكأننا نكتشف بعضنا البعض من جديد ما بعد الـ»كورونا». وتماما كما تعرف الناس على أولادهم وبناتهم خلال الحجر هل سيتعرفون على عمالهم وموظفيهم مثلا بعد سنوات طويلة من العمل وعودة الى الصور التي كانوا ينشرونها عن العم أبو علي من مؤسسي الشركة والعم أبو خليل في البدايات واليوم، باتوا هؤلاء عبئا!!!!!!!!!!!
دعونا ندرب انفسنا لكي لا نعود الى ما كنا عليه وكأننا لم نستخلص العبر ولم نستوعب الدرس ولسنا الوحيدين في العالم بل نحن جزء، الجميع يجب الا يعود الى ما كان عليه، الحكومة بكل مكوناتها والقطاع الخاص والعمل الأهلي والجميع، و»بلاش» نصحح لبعض بالقلم الأحمر دون معرفة سابقة.