هل يصبح النقاب مألوفاً بعد الحظر؟
مقالات

هل يصبح النقاب مألوفاً بعد الحظر؟

هل يستمر عالم «كورونا»، وبنيته الاجتماعية من تباعد اجتماعي وكمامات وأغطية للوجه، وتواصل عن بعد عن طريق تطبيقات تقنية مثل «زووم» وغيرها، أم أنَّ هذه بنى مؤقتة ستتلاشى بنهاية الحظر؟ وهل تتلاشى هذه الترتيبات والإجراءات الاجتماعية والصحية تدريجياً، أم أنها ستكون اللبنة الأولى أو المدماك الأول لبناء مجتمع جديد بقيم جديدة وثقافة جديدة؟
ربما هذا سؤال أسهل من سؤال كبير يخص شكل العالم ما بعد «كورونا» مقابل العالم ما قبلها. ويمكن الإجابة عنه بدرجة معقولة فيما يخص التنبؤ بالمستقبل واستشراف ملامحه.
بداية، وعلى مستوى الاقتصاد، تطورت وتعاظمت قدرات شركات الأدوية وصناعة أدوات العزل الطبي المتنوعة من كمامات وأقنعة وقفازات، وكذلك طرأت زيادة في صناعة المطهرات. أيضاً زادت النسبة المالية المخصصة لمعامل البحث المختلفة المتخصصة في اللقاحات والأدوية المعالجة للفيروس وتبعاته. وفي تصوري أن هذه الصناعات قد تتوسع، ولا تنهار، على الأقل في العقد الأول لما بعد الحظر.
هناك أيضاً شركات التقنيات الخاصة بالتواصل عن بعد مثل تقنية «زووم» وغيرها، فتطبيق «زووم» الآن وصلت قيمته السوقية إلى عشرين مليار دولار في ظرف شهور. هذا التطبيق قد يستخدم هذا الفائض المالي في الاستثمار في تطوير تطبيق «زووم» ذاته، أو إضافة تطبيقات أخرى للقضاء على المنافسة. هذا التطبيق وغيره لن يختفي من السوق، بل ستتزايد هذه النوعية من التطبيقات التي تحض على التباعد الاجتماعي. ومن هنا ستكون لدينا بنية تقنية كبيرة تؤسس لمجتمع التباعد.
ثقافة المجتمعات أيضاً قد تتغير، من حيث السلوك اليومي للأفراد، فالتباعد الاجتماعي لن يعود كما كان قبل «كورونا» في المطاعم ودور السينما والحانات، وحتى ملاعب كرة القدم. العالم لن يشطب سلوك عالم «كورونا» تماماً في اليوم التالي بعد الحظر.
على مستوى الرؤية البصرية، سيصبح أمراً عادياً، بل ومستحباً، أن ترى امرأة تغطي نصف وجهها بكمامة والنصف الآخر بالنظارة، وهذا أمر أقرب إلى حالة نقاب بعض المسلمات، فهل نتيجة لهذا القبول الاجتماعي للكمامة والنظارة معاً يصبح النقاب، خصوصاً في المجتمعات الغربية، أمراً مألوفاً ومقبولاً غير مستنكر؟ ظني أن لباس وجه المرأة بعد «كورونا» سيكون مقبولاً بأشكاله المختلفة، وتصبح المسألة تعود على جماليات ما بعد «كورونا» من أي نوع من أنواع تغطية الوجه والعينين أمراً طبيعياً.
بالطبع ستختفي الابتسامة في عالم ما بعد «كورونا»، فأي ابتسامة تلك التي ستراها من خلف الكمامة، سيصبح عالماً يشوبه عبوس دائم.
أدوات عصر «كورونا» كلها لن تنتهي كممارسات بانتهاء الحظر أو حتى بانتهاء الفيروس، فستبقى معنا لفترة، وبهذا يصبح، ومن هذه الزاوية تحديداً، عالم ما بعد «كورونا» غير عالم ما قبلها.
لن تكون سلوكيات الناس في فترة «كورونا» مجرد فاصل إعلاني في التاريخ البشري على الأقل على مستوى السلوكيات اليومية للأفراد. فستبقى كثير من الممارسات موجودة بعد نهاية الحظر. سيوصم التاريخ البشري، ولفترة، بسلوكيات «عام كورونا».
هناك أسئلة أخرى كثيرة فيما يخص مستقبل السياحة والفنادق. فقليل من الناس قد يثق بإجراءات تعقيم الغرف في الفنادق، وقد تتغير كل ممارسات الفنادق، بحيث يكون لمس الأشياء من مفتاح الغرفة إلى خدمات الغرفة والمطاعم في الحدود الدنيا، وربما لا تستطيع الفنادق تلبية متطلبات الضيوف في إطار التعقيم وخلافه، وربما هذا يؤدي إلى انهيار اقتصاد الضيافة والترفيه على الأقل في العام الأول بعد الحظر.
بالطبع هناك أسئلة أخرى تخص سلوكيات الجيوش، فمثلاً عمليات إرسال جيوش أميركية إلى منطقتنا، أو سحب جيوش منها ستكون شديدة التعقيد. ومن هنا يمكن القول بأن ممارسات العام الأول بعد «كورونا» قد تؤسس لرؤية جديدة على مستوى السياسة والاقتصاد وجماليات الرؤية، بما فيها وجه الإنسان وابتسامته في عالم ما بعد «كورونا». لن تكون هناك عودة إلى القديم فلا يمكن أن نتحرك في 2020 مرتين. الزمن يتغير ومعه تتغير عاداتنا، وما كان غير مألوف قبل «كورونا»، سيكون مألوفاً بعدها. ابتسموا ولو خلف حجاب أو كمامة، وكونوا بأمان.

هذا المقال يعبر عن وجهة نظر صاحبه، ولا يعبر بالضرورة عن وجهة نظر وكالة صدى نيوز.