أين سنكون في الحرب المقبلة؟
هل يكون «كورونا» شرارة الحرب الصينية - الأميركية؟ وهل سنجبر كشرق أوسط، كدول عربية، كدول خليجية على الاختيار بينهما؟
اللافت للنظر أن هذا الصراع الأميركي - الصيني يتصاعد تزامناً مع صراع أميركي - أميركي لم نشهد له مثيلاً قط في تاريخنا المعاصر، فلم تصل حدة الخلاف إلى درجات الاتهام بالخيانة العظمى بين طرفين أميركيين، كما هو جارٍ الآن بين المحافظين والليبراليين، حيث تصاعدت حدة الخلافات لتصل إلى حد التناقض المدمر بين الطرفين في السياسة الخارجية كأننا أمام دولتين، إحداهما تسعى لتدمير ما تبقى من علاقاتنا التاريخية معنا والأخرى تسعى لتثبيتها.
ووصل الصراع إلى محاولات عزل الرئيس باتهامه بالخيانة العظمى ثم بمحاولات عزل الرئيس عن الاتصال بالشعب الأميركي، كما يفعلون الآن مع رئيسهم المنتخب، حيث تجاوز الصراع بينهما عبر الوسائل الإعلامية التقليدية ووصل إلى منعه من استخدام وسائل التواصل الاجتماعي لقطع الطريق أمام الرئيس تماماً عن الاتصال بالشعب الأميركي، بدأوا بالسيطرة على تلك الوسائل والتحكم فيما ينشر فيها، وهو ما شاهدناه في «تويتر» و«فيسبوك»، وانتهوا إلى حرب شنها تطبيق «تويتر» على الرئيس بشكل مباشر.
في هذه الفوضى الأميركية تطرح جمهورية الصين الشعبية نفسها حليفاً للشرق الأوسط وكضحية للتسلط الأميركي، إذ تسعى دبلوماسية جمهورية الصين الشعبية لا إلى التصدي للحملة الأميركية الشرسة التي تحاول تأليب المجتمع الدولي ضدها الصين، مستغلة الغضب العام من مسؤوليتها في انتشار هذه الجائحة، بل تسعى إلى تحسين صورتها وتقديم نفسها على أنها البديل المستقبلي والأكثر ضماناً عن الولايات المتحدة كحليف، وأن المستقبل العلمي والتكنولوجي لها، والأهم أنها ليست معنية بالشؤون الداخلية للآخرين.
فيتحرك سفراء الصين لعقد مؤتمرات صحافية وكتابة المقالات في الصحف وطلب عقد لقاءات تلفزيونية، وقد كتب سفير جمهورية الصين الشعبية لدى البحرين أنور حبيب الله، وهو مسلم صيني من شعب الإيغور مقالاً في صحيفة «أخبار الخليج»، مهنئاً البحرين بعيد الفطر السعيد، ومؤكداً فيه أن الصين لا تحارب الإسلام والمسلمين كما يصورها الإعلام الغربي، وأن الواقع أمر مختلف تماماً بدليل منصبه سفيراً معتمداً لدولته وهو مسلم، وأكد في الوقت ذاته احترام الخصوصيات الدولية والسيادة الوطنية للبحرين، وكذلك فعل بقية سفراء الصين في منطقتنا العربية، كما عقد وزير الخارجية الصيني وانغ يي مؤتمراً صحافياً تطرق فيه إلى تلك الحرب الباردة، مسمياً الهجوم الأميركي على الصين بأنه «فيروس سياسي» أصيبت به طبقة سياسية أميركية، ملمحاً إلى أن هناك طرفاً أميركياً لا يتفق مع السياسة الخارجية الأميركية.
وحذر من أن الصين والولايات المتحدة على «حافة حرب باردة جديدة»، رافضاً «التصريحات» الأميركية حول فيروس «كورونا المستجد»، فيما أشار إلى انفتاح بلاده على جهد دولي لمعرفة مصدره.
وقال وانغ يي، استمراراً للحرب الكلامية المتصاعدة مع واشنطن بشأن الوباء وحراك بكين لتشديد السيطرة على هونغ كونغ، إن الولايات المتحدة أصيبت بـ«فيروس سياسي» يجبر المسؤولين هناك على مهاجمة الصين باستمرار.
وأعلن وانغ يي أمام الصحافة: «لفت نظرنا أن بعض القوى السياسية في الولايات المتحدة تأخذ العلاقات الأميركية - الصينية رهينة وتدفع البلدين باتجاه حرب باردة جديدة!!».
ويأتي ملف «كورونا» ليضاف إلى مجموعة الملفات المتراكمة التي وصل الخلاف فيها إلى الذروة بين الولايات المتحدة والصين حول مصير هونغ كونغ وتايوان، ولتتصاعد الاتهامات بينهما في هذا الملف، حيث وجه مايك بومبيو وزير الخارجية الأميركي الاتهام للصين بمحاولة «متسللين على الإنترنت وجامعي معلومات غير تقليديين» مرتبطين بالصين لسرقة الملكية الفكرية الأميركية وبيانات متعلقة بأبحاث فيروس «كورونا المستجد».
وقال بومبيو في بيان: «نهج جمهورية الصين الشعبية على الفضاء الإلكتروني هو امتداد لتصرفاتها غير البناءة طوال فترة وباء كوفيد - 19».
وأضاف: «بينما تنسق الولايات المتحدة وحلفاؤها وشركاؤها معاً ويتعاملون بشفافية لإنقاذ الأرواح، تستمر جمهورية الصين الشعبية في إسكات العلماء والصحافيين والمواطنين ونشر معلومات مغلوطة، ما فاقم من مخاطر هذه الأزمة الصحية».
فإلى أين تتجه هذه الحرب الباردة بين الطرفين، وهل ممكن البقاء على الحياد؟ وهل ممكن أن نستفيد من البقاء على الحياد؟ أسئلة تعيد لأذهاننا فترة الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي السابق، وأسئلة لا بد أن نستعد لها بوضع كل السيناريوهات المستقبلية المتوقعة من دون استبعاد أي منها على أساس أنه ضعيف الاحتمالات!!