اقتحامات إسرائيل.. جسُّ نبض واستفزاز
كتب رئيس التحرير: بعد ساعات من تجوّل الرئيس محمود عباس في شوارع رام الله، اقتحمت قوات كبيرة من جيش الاحتلال المدينة، واقتربت من مقرات الأجهزة الأمنية، ليكون هذا الاقتحام لرام الله هو الأول من نوعه بعد إعلان الرئيس عباس أن فلسطين باتت في حل من جميع الاتفاقيات مع إسرائيل.
اقتحام إسرائيل لرام الله كان محاولة لمحو آثار أقدام أبو مازن الذي تجول في شوارع المدينة للتأكيد على المواطنين بضرورة استخدام وسائل الوقاية من فيروس كورونا، فإسرائيل لا تعترف بسيادة إلا سيادتها!
لم يكن الاقتحام عملية عسكرية بحتة لإسرائيل، بل حرب سياسية واضحة، عنوانها (السيادة لنا)، إضافة إلى عناوين فرعية أخرى، كمحاولة استفزاز عناصر الأجهزة الأمنية، وتشويه وتقزيم الأجهزة الأمنية في عيون الفلسطينيين.
تسعى إسرائيل وجيشها دوماً لخلق مواجهة مسلحة، أو تحويل الصراع السياسي لصراع عسكري، وذلك لأنها تعلم علم اليقين أن الغلَبة لها، وأن كفة ميزان القوة ترجح لها، ولكي يتفوق على الحالة الفلسطينية ويتحكم بها وخاصة في ظل غياب الرؤيا للشارع الفلسطيني حول البرنامج الفلسطيني في مواجهة قرارات الضم، فقد اتخذت القيادة الفلسطينية قرارات في مواجهة قرارات الضم للمستوطنات والأغوار ولكنها لم تضع للجمهور برنامجاً محدداً وموحداً للمواجهة، وتركت الأمور بيد الشارع وردات الفعل ما سمح للاحتلال لمحاولة جر الشعب لأجنداته وبرنامجه.
الشعب الفلسطيني بكل فئاته وفصائله رفض قرار الضم وصدرت بيانات من كل فصائله، ولم يوحد هذا القرار الخطير أطياف الشعب الفلسطيني لمواجهته بل استمر في الانقسام وبالعكس شهد الشارع ووسائل التواصل مزاودات ومناكفات بين الفصائل الكبرى ما يعطي الاحتلال الفرصة لتنفيذ قراراته بسهولة، في ظل تفسخ الجسم الفلسطيني وتشرذمه.
مواقع إسرائيلية حاولت ضرب وحدة الشارع الفلسطيني من خلال دعايات وإشاعات مثل إعلانهم عن نيتهم نشر أسماء قيادات ومواطنين باعوا أراضٍ أو سهلوا بيعها للإسرائيليين، وهي إشاعة سرعان ما تبيَّن زيفها وكذبها.
إسرائيل تحاول خلق صورة مشوهة للقيادات الفلسطينية لمنع أي التفاف حول قراراتها، وفي نفس الوقت القيادات في معظمها تغيبت عن وسائل الاعلام لتوضيح الممارسات الاسرائيلية، وترك الفضاء الإعلامي للطرف الإسرائيلي الذي يبث دعايات تتعلق بأن الضم لا يشمل سِوى المستوطنات علماً أن هناك قرارات وتوجهات لرئيس الحكومة الاسرائيلية ونائبه نحو الضم والبدء بتطبيق صفقة القرن رغم عدم حصولها على الموافقة الامريكية النهائية، وحتى أمريكا التي تنشغل بوضعها الداخلي قالت دون لبس أنها مع أي قرار إسرائيلي يُجمع عليه الحزبان الليكود وكحول لفان.
الاقتحامات الإسرائيلية يجب التعامل معها وفق خطة ودراسة من قبل القيادة الفلسطينية، ومن المهم منع أي اجتهادات للشارع الفلسطيني، علماً بأن هذه الخطط يجب أن تكون جاهزة أصلاً قبل إعلان الرئيس انحلال فلسطين من الاتفاقيات مع إسرائيل.
المرحلة الحالية نقطة تحول لطبيعة الصراع حيث أن إسرائيل أعلنت بوضوح أنه لا وجود لطرف فلسطيني، وأن كل فلسطين لهم، وأطلقت رصاصة الرحمة ليس فقط على حل الدولتين وإنما على كل الحلول بما فيها صفقة القرن.
المستوطنون احتجوا ضد قرار الضم بسبب خوفهم من أن تشكل الأراضي المتبقية دولة فلسطينية وفق خطة ترمب وأيضا لأسباب اقتصادية مالية تتعلق بهم كونهم في هذه المرحلة لا يدفعون الضرائب لدولة الاحتلال ويتمتعون بميزات تختلف عن مايعيشه اليهود داخل أراضي 48 المحتلة حسب قانون دولة الإحتلال، فيما أكد لهم نتنياهو تأييده لهم وأنه سيأخذ ما لإسرائيل من بنود إيجابية في صفقة القرن بحيث لا يبقي أي أفق لدولة فلسطينية بمعنى إنهاء الوجود الفلسطيني.
قرار الضم بنظر كثير من الإسرائيليين فيه خطورة على البرنامج الصهيوني بشأن الصراع العربي الإسرائيلي والذي فيه خطة لدولة إسرائيل من النيل الى الفرات، وأن هذا القرار لا يضيف لإسرائيل شيئاً، ناهيك عن معارضة أخرى من قيادات إسرائيلية بسبب إنعكاساته على العلاقة مع الدول العربية سواء التي لديها اتفاقيات سلام أو التي بدأت التطبيع مع إسرائيل ولا يعني ذلك اعترافهم بالحق الفلسطيني بدولة على حدود الرابع من حزيران عام 1967.
واجب القيادة ليس فقط التعامل بحذر مع هذه الاقتحامات والتي قد تفجر الأوضاع وتخلق فوضى غير متوقع عواقبها بل واجبها أن تتواصل مع الأمم المتحدة ومجلس الأمن والاتحاد الأوروبي والدول العربية للتدخل ووقف التجاوزات الاسرائيلية، ومنع إسرائيل من التعدي على القرارات الدولية والاتفاقيات بين الطرفين، وخلق تفاهم ووحدة داخلية فلسطينية ولو بحدها الأدنى مواجهة قرار الضم الإسرائيلي.