هل تعرف «تصفير العداد»؟
أشقاؤنا في اليمن هم أكثر العرب استعمالاً لعبارة «تصفير العداد». ذلك أنَّ رئيسهم السابق، الراحل علي صالح، اعتاد تعديل البند الخاص بالفترات الرئاسية في الدستور، كلما أنهى فترة رئاسية، كي يترشح من جديد للانتخابات. وبلغت شهرة المصطلح أنَّ الرئيس نفسه وعدهم يوماً بأنَّه «لن يصفر العداد» مرة أخرى. أما أنا فتعلمت معنى «التصفير» من ابني الأكبر، وهو مهندس كومبيوتر. في كل مرة أواجه مشكلة في جهازي، كان ينصح بالتصفير = «Reset».
موضوعنا اليوم ليس العداد الرئاسي ولا الكومبيوتري، إنما أردت لفت انتباه القراء الأعزاء إلى فكرة «التصفير العظيم» = «Great Reset»، التي أظنها سترافقنا في قادم الأيام، بل أتمنى أن يكون العالم العربي، لا سيما المثقفين والطبقات الجديدة، جزءاً من الحراك الذي يحمل هذا العنوان، والذي أظنه أهم التحولات في تاريخ البشر.
صديقي الصحافي اللامع حسن المصطفى، يقول إن التجارب الجديدة هي محور التاريخ البشري. وهي لم تتوقف أبداً. ولذا فالتحولات المنتظرة احتمال طبيعي. وبدا لي هذا القول صحيحاً في الجملة، لكن لعله يقلل من أهمية التحولات التي أدعي أنها ستحدث بعد تلاشي جائحة «كورونا».
لا أقول إن الجائحة أوجبت التحول أو صنعته. فقبلها كان العالم يتهيأ لقفزة واسعة في حقل الاتصالات والمعلوماتية، تؤذن بالانتقال إلى عالم رقمي مخالف لما ألفناه حتى الآن.
حين تتبلور «الثورة الصناعية الرابعة»، حسب وصف البروفيسور كلاوس شواب، فإن جانباً أساسياً من الحياة سوف يتغير على نحو يصعب تخيله، في الاقتصاد والتعليم والصحة والمواصلات على سبيل المثال. أقول هذا لأن معظمنا لم يتخيل، قبل 20 عاماً فحسب، أنه سيعيش حياة ينظمها جهاز صغير في الجيب اسمه «الهاتف الذكي».
قلة من الناس يرون المستقبل. هذا مضمون إشارة الرئيس السابق باراك أوباما في رثاء ستيف جوبز، مبدع فكرة الهائف الذكي: «كان ستيف ثاقب البصيرة حين رأى المستقبل يوم عجز الآخرون، وكان شجاعاً حين كافح من أجل الإمساك به، بينما تردد الآخرون».
في 2016 تبنى منتدى دافوس مفهوم «الثورة الصناعية الرابعة». وقد تحدثت عنه في مقال بهذه الصحيفة منتصف نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي. ونعلم أن المملكة قد وقعت اتفاقية مع المنتدى، يجعلها جزءاً من هذا الحراك الإنساني الجديد. نذكر أيضاً الصراع الشديد بين الولايات المتحدة والصين، حول امتلاك تقنيات الجيل الخامس، التي ستكون عصب الشبكات والاتصالات في السنوات الآتية. هذا وذاك يشيران إلى مسار تحول بدأ بالفعل.
لكن الجديد الذي أضافه «كورونا» هو تغيير الأولويات وتسريع بعض المسارات. سيناقش منتدى دافوس فكرة «التصفير العظيم» في دورته المقبلة. جوهر الفكرة أن الوباء كشف للعالم نقاط ضعف مؤثرة، وقرب احتمالات كانت مؤجلة. وفقاً لبعض الباحثين، فإن الاضطرابات العمالية في فرنسا نهاية 2019، والمظاهرات التي اجتاحت الولايات المتحدة في الشهر الحالي، تستدعي مراجعة لفكرة «العقد الاجتماعي» وسبل تحقيق «العدالة الاجتماعية»، لا سيما التناسب بين دور الدولة والمجتمع المدني في هذا المجال.
هل لهذا علاقة بالتحول إلى العالم الرقمي؟
في رأي علماء مثل مانويل كاستلز، فإن تبلور العالم الرقمي يؤدي إلى:
أ - تغيير جذري في مفهوم الهوية الشخصية وتركيبها، أي الجواب عن سؤال: من أنا؟
ب - تغيير مؤثر في معادلات القوة وتوزيعها في المجتمع والعالم. ستحوز الطبقات المهمشة دوراً أكبر مما عرفه العالم في أي وقت، وبسببه سوف نرى توزيعاً مختلفاً للسلطة ورأس المال والتأثير الثقافي.
ولعلنا نعود لتفصيل الموضوع في وقت لاحق.