"بدنا خلايا طاقة شمسية"
ما زال النظام السياسي الفلسطيني بانتظار الأول من تموز بخصوص قرار الضم الاحتلالي للأراضي دون السكان، وهذا الانتظار مقلق للرأي العام أكثر بكثير من فعل الضم بالواقع، وتفتّق الذهن الفلسطيني الحزبي والرسمي صوب عمل مكرر وروتيني عن مؤتمرات رافضة ومعارضة وإعطاء صورة أن العالم كله ضد الضم، وتخرج علينا فتاوى غير رسمية بل هي تعزز المناطقية بأن من يعمل على قضية الأغوار والضم هم أهل الأغوار فقط!!!!!!
مللنا ردة الفعل الروتينية غير المبدعة وغير الخلاقة، مللنا النزول الى الشوارع لنذهب فنجد مجموعة دمها فاير، والباقي ينشر على الفيسبوك أين القوى أين الفصائل أين الناس، ولو في دولة أخرى بِتضامنوا معنا أكثر منا!!! وكأن الوقت يتسع لتلك المناكفات خصوصاً ممن يريدون مناكفة فصائل بعينها، لم يعد منتجاً تكرار ذات السيناريو من قبل مؤسسات قاعدية في العمل الأهلي والمؤسسات الشعبية على أهمية هذا الدور. ولعلنا لمسنا بعضاً من نتائجه على الأرض في الأغوار خصوصاً على المستوى الزراعي.
ولم يعد دور القطاع الخاص خصوصاً في الاستثمار الزراعي فقط البكاء وإثارة الضجيج وبيع جمايل أننا هنا في الأغوار وأين دعم صمودنا؟ وأين الاسترداد الضريبي؟ لا نريد لفة سلك ولفة نايلون!!!! بينما هم لا يرون أن هذه القضايا من صميم احتياجات المزارع الصغير البسيط الصامد في الاغوار، وبما أنهم أقدر على توصيل صوتهم قد يحصلون أكثر بكثير من الصغار.
حاولنا أن نكون هناك في الأغوار، وليست تلك المرة الأولى لنا هناك، ولو كانت كذلك لما استطعنا أن نرى بأعيننا حقيقة نعرفها ولكننا كنا حريصين أن يتم نقلها بأقلام مبدعة ولسان فصيح، كان لسان حال الناس في الأغوار من طمون مروراً بسهل البقيعة ويرزا والمالح وابزيق "نريد خلايا طاقة شمسية" نريد "خياما تكون كالبركس" "نريد صهاريج مياه" "نريد مركبة تنقل أبناءنا للمدارس" وكل تجمع يضم اثنتي عشرة أُسرة واكبرها بزيق التي يصل عددها إلى 40 أسرة، لم تكن في طلباتهم مبالغة بل فيها من البساطة ما يكفي. لم يطالب أحد بتعبيد الطريق الزراعي ولا ببناء مدرسة.
كانوا يصرون انهم لا يبحثون عن إغاثة ولا اعتبارهم حالات فقر، بل أصروا على أن يقولوا: نحن هنا صامدون نحمي الأرض ولا نتركها، نعيش من الثروة الحيوانية وصناديق النحل وتصنيع الأجبان والألبان وبيع الحلال.
أيعقل أننا كلنا لا نستطيع تلبية شيئ من طلباتهم البسيطة المتواضعة حتى في ساعات اوج معركة الضم للأرض دون السكان، هل من المستحيل شمول أبنائهم وبناتهم في منح الثانوية العامة لفئة طلبة الاغوار، نعم نستطيع وسبق ان استطعنا وحققت حكومة سابقة جزءاً من مطالبهم، ولكن الزمن بات ملحاً أن تلبى مطالبهم من جديد.
في جميع لقاءاتنا مع الناس كانوا يفاخرون بإنجازات زراعية على الأرض وماشية وزراعات باتت تنافس، من العنب اللابذري والبطيخ والشمام والأفوكادو والجوافة، وكانوا في طمون يحضرون لافتتاح مشاريع زراعية من قبل وزير الزراعة والإغاثة الزراعية.
تسير في طمون فتجد عشرات البيوت البلاستيكية والاستغلال الأمثل للأراضي الزراعية، وتكمل المشوار صوب سهل البقيعة فتجد ان مساحة خضراء ظاهرة للعيان فيها من الخيرات الزراعية الكثير والتنوع، فهناك عين البيضا وكردلة وبردلة والساكوت والعقبة وبزيق واراضي طوباس والفارعة، بمعنى أن الناس هناك تزرع وتفلح وتنتج وتشكل حقا سلة غذاء الوطن.
وتزامناً مع هذه الجولة اطلق الكاتب أكرم مسلم مبادرة "قناديل الجبال" متيمناً بزهد مطالب الناس هناك، مناشداً مؤسسة التعاون ومؤسسة القطان التدخل ضمن اختصاصهما لتقديم ما يمكن. ووصفهم جمال مبسلط عضو الاتحاد العام للفلاحين الفلسطينيين بقناديل الجبال يضيئون الجبال حيث حلوا. من الأهمية بمكان تثبيت ما اصطلح عليه "قناديل الجبال" بحيث نجعلهم ينتشرون في الجبال والسهول ليشكلوا ضمانة الصمود. وكتب يوسف الشايب تقارير إعلامية في "الأيام "عن صمودهم ومطالبهم: بدنا كهرباء ... بدنا كهرباء. وكيف استطاع منزل أن ينجز صموداً لعائلات عدة.
وبدأنا في المجلس الحركي للعمل الأهلي وجمعية حماية المستهلك الفلسطيني في محافظة رام الله والبيرة برسم مجموعة تدخلات تشكل دعماً لصمودهم ورفضاً للضم، وترافق هذا مع سلسلة فعاليات جوهرها زراعي تنموي يعمل من خلالها الاتحاد العام للفلاحين الفلسطينيين واتحاد المزارعين الفلسطينيين.
بات ملحاً إحداث تدخلات بعودة كل من يحمل هوية الاغوار للإقامة فيها، والانتباه لقضايا الأراضي الحكومية والوقفية وحمايتها من ارتدادات قرار الضم بالسيطرة عليها ومصادرتها، وتفعيل مشاريع الشباب في الاغوار من خلال تخصيص الأراضي، والاسترداد الضريبي، ودعم هيئات الحكم المحلي في الاغوار، وتفعيل مكانة مؤسسات المجتمع الأهلي والجمعيات الخيرية.
يجب ان يكون هناك حضور واضح للنقابات المهنية الفلسطينية وخصوصاً نقابة المهندسين الزراعيين ونقابة الأطباء البيطريين لتحقيق تدخلات ملموسة على الأرض بحكم الاختصاص.
بات ملحاً أن نصيغ رسالة إعلامية عن الناس في الأغوار الذين يعيشون حياتهم هناك ويزرعون دون راتب شهري ولا دخل أسبوعي، بل يزرعون انتظاراً للموسم والتسويق الذي يعترضه ما يعترضه من مضاربات مع الإسرائيلي بصورة غير عادلة، بل من خلال هيمنة محاصيل السوق الإسرائيلي على السوق، ويتم ترحيلهم هم والماشية للتدريبات الاحتلالية وآثار مخلفات الألغام التي حصلت إصابات ووفيات بين السكان بسببها.
يجب ان نكف عن الشائعات التي تُفبرَك في غرف مغلقة وتُبَث عبر وسائل التواصل الاجتماعي بأسماء غير حقيقية ومن ثم يبدأ تناقلها، ما يضعف الصمود في الأغوار ويهز ثقتنا بإمكانياتنا لمواجهة الضم.
الخروج من دائرة "دعوهم يدبروا الأمور" وكأننا نتحدث عن آخر هو ليس منا وتعزيز مفهوم "كلنا في مواجهة الضم بالوحدة" وهي ليست لبعضنا دون الآخرين، هي مسؤولية الجهات الرسمية، مروراً بالمجتمع المدني وليس انتهاء بالقطاع الخاص والقطاعات كافة، ولا يجوز بالمطلق أن نسجل نقاطاً في مرمى بعضنا البعض وكأننا في سجال داخلي وليس في مواجهة سياسة احتلالية على الأرض.