إنهاء للانقسام أم قفزةٌ في الهواء؟
كتب رئيس التحرير: كان المؤتمر المشترك بين أمين سِر اللجنة المركزية لحركة فتح جبريل الرجوب ونائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس صالح العاروري خطوة جوهرية في مواجهة قرار الضم الاسرائيلي، ولبِنة أساسية نحو استكمال الوِحدة الوطنية وإنهاءالإنقسام الذي فتتنا وأضعفنا أمام أنفسِنا وأمام العالم.
فتح وحماس أدركتا، وإن متأخراً، الحاجة المُلحة للتوحد في مواجهة الخطر الإسرائيلي الأمريكي الذي أصبح -بشكل غير قابل للتأويل- يهدد الوجود الفلسطيني.
إعلان الرئيس أبو مازن إلغاء اتفاقية أوسلو وفقا لقرار المجلس الوطني والمركزي أسس لهذا الاتفاق الذي ترك الخلافات الكثيرة جانباً، لمواجهة قرار الضم وصفقة القرن.
ترك الخلافات العالقة وتحييدها والتركيز على نقاط الاتفاق لمواجهة العدو الرئيسي، هو أسلوب تلجأ له حركات التحرر لتحقيق الانتصار على عدوهم المشترك، وتترك الأمور الخلافية مجمدة تُحل عن طريق صندوق الانتخابات أو بالتوافق عليها من خلال الحوار الدائم.
إسرائيل اعتبرت المؤتمر خطراً، ووجدت نفسها أمام مسدس فلسطيني مصوباً على جذع دماغها. الفلسطيني الآن لم يعد مقتنعا بوجود طرف إسرائيلي أو أمريكي يرغب بالسلام، وبالتالي لم يبقَ لمهندس السلام أبو مازن أي خيار آخر لمواجهة المخطط الإسرائيلي إلا من خلال العودة للشعب وتوحيده في ظل ضُعف أو حتى تآمر الدول العربية، وموقف دولي تقليدي لم يصل إلى مرحلة ترجمة أقواله المتكررة للإعتراف بدولة فلسطينية على حدود الرابع من حزيران المحتلة عام 1967
ستكون الضفة الغربية ساحة حرب مفتوحة وإسرائيل وحدها ستتحمل المسؤولية وستدفع تكاليف هذا الاحتلال والمقدر اقتصادياً بـ 67 مليار شيكل سنويا، وكذلك الخسائر المادية وفي الأرواح وستواجه إسرائيل الفلسطينيين موحدين عسكرياً وسياسياً وفي الميدان.
هكذا تبنى التحالفات وهكذا تعود الجبهات ساخنة وقوية في وجه الاحتلال بحيث يصبح احتلالاً مكلفاً بدلا من الواقع الحالي (احتلال خمس نجوم)، حتى لو أن المصالحة تمت على برنامج الحد الأدنى بين الفصائل الوطنية والإسلامية دون إنهاء كامل للانقسام، وترك الخلافات الفكرية والايدلوجية تنتهي تدريجيا وباستمرار وحدة الدم في الميدان واختلاط الدم الفلسطيني في مواجهة سياسة الاحتلال التي أصبحت واضحة ومتمثلة بعدم اعترافها بالحق الفلسطيني بدولة أو حتى العيش في خيار الدولة الواحدة.
لقد اختلط الدم الفلسطيني طوال فترة النضال مرات عديدة ومعظم القيادات للطرفين التقت بعضها البعض في سجون الإحتلال وفي الشتات وتعرضوا للإصابة والإبعاد وهدم البيوت، هذا ما يعكسه مؤتمر الأمس، وحسب تعليقات المحللين السياسيين اعتبروه تفكيراً خلاقاً بدأ يظهر في صفوف الطرفين تفاجئ به حتى رجال المخابرات الاسرائيلية.
حماس وفتح لم تذهبا لهذا الخيار بسبب الضم وحده، وإنما لإدراك الطرفين أن الشارع بدأ بلفظهم، وخاصة أنهم عاشوا خيبات أمل لفشل الحوارات السابقة في مكة والقاهرة وقطر وروسيا وبدأت معظم التغريدات في وسائل التواصل الإجتماعي ضد الطرفين بنفس المستوى.
الغضب الإسرائيلي أيضا انصب على عضو الكنيست رئيس القائمة المشتركة أيمن عودة، حيث نشرت العديد من الصحف صورته وكتبوا عليها "العار ليس له حدود" وبعض أعضاء الكنيست الإسرائيلين طالبوا بطرده من الكنيست.
هذه الخطوة (مؤتمر الرجوب- العاروري) منحت الرئيس أبومازن قوة كبيرة وخاصة عندما أعلن العاروري أن أبو مازن لم يُفرط وصامد على الثوابت وهو المكلف والمؤتمن والأقدر على مخاطبة العالم سياسياً وقانونيا وكل فئات الشعب موحدة خلفه في سعيه لحل الدولتين، وفتح و عبر عضو لجنتها المركزية عباس زكي قال بالحرف كل خيارتنا الآن مفتوحة وقد تصل للمطالبة بتطبيق القرارات الدولية وخاصة قرار 181 (قرار التقسيم الصادر عام 1947).
أوروبيا وعبر أكثر من مسؤول اعتُبر الضم تجاوزاً للقانون الدولي وسابقة خطيرة قد تنتقل الى مناطق أخرى في العالم، ولكنهم – أي الأوروبيون- في كل خطاب كانوا يضعون عائق الإنقسام الفلسطيني، وكذلك عربياً وبهذا المؤتمر تكتمل حلقة المواجهة بشكل شامل ولم يَعُد أمام الاحتلال والأمريكان استخدام هذه الورقة في مواجهة الفلسطينيين.
اللقاء الذي حظي بتغطية عالمية، شكل فرحاً وأملاً للفلسطينيين رغم الانتكاسات المتكررة سابقاً في ملف المصالحة، لكنه سيُبنى عليه فلسطينياً ودولياً ويجعل الحسابات الإسرائيلية مختلفة.
لكن، هل تكتمل الوحدة؟؟ وهل تستمر اسرائيل بخطوات غبية وغير محسوبة العواقب؟؟ وهل ستنتظر تل أبيب إعلاناً مفاجئاً آخر بإلغاء إتفاقية السلام مع مصر والأردن؟
الإجابة تبقى بيد ترمب ونتنياهو اللذان ووِفق التقديرات أعادا الصراع لنقطة الصفر والتي أنفق عليها الأوربيون 600 مليون دولار سنوياً لبناء مؤسسات الدولة الفلسطينية وساهمت فلسطين بشهادة الجميع في محاربة الإرهاب، وحققت اسرائيل نجاحات في ملف التطبيع مع دول عربية وإسلامية غير متوقعة دمرها نتنياهو وفريقه وفق أجندات ضيقة، وفي غالبها خدمة لمستقبله السياسي والإنتخابي له ولحليفه ترمب.