اتفاق "فتح" و"حماس" بارقة أمل
بين تعاريج النفق المظلم على المستوى السياسي والاقتصادي، وفي ظل توقيت حاسم، يظهر ضوء الاتفاق بين حركتي فتح وحماس لمواجهة الخطر الوجودي الذي تمر به القضية الفلسطينية.
بعيداً عن الخلافات والتناقضات الثنائية، وربما تعارض المصالح الذي كان سبباً رئيساً في استمرار حالة الانقسام، يتم إنجاز هذا الاتفاق في وقت حرج؛ ما يؤكد بُعد النظر علاوة على المصير المشترك الذي بات مهدداً بشكل واضح.
اتفاق القطبين الأساسيين على المستوى النضالي الفلسطيني حمل رسائل عدة وأكد نقاطاً استراتيجية، ربما كانت غائبة أو مغيبة إلى حد ما، سواء بالنسبة لقادة الاحتلال أو لدول الإقليم واللاعبين المؤثرين في المنطقة.
سلطات الاحتلال في رد فعلها الأوليّ اعتبرت أن الاتفاق خطير جداً وأن سرعة إنجازه قد فاجأت المنظومة الأمنية الإسرائيلية، لأن الاتفاق سيخلق واقعاً جديداً على الأرض ويزيد الأعباء الأمنية الإسرائيلية، لعل دعوة جيش الاحتلال للمستوطنين بتوخي الحيطة والحذر في الفترة المقبلة، هو رسالة تحذير لما سيكون عليه الوضع مستقبلاً.
حكومة الاحتلال كانت وما زالت تعتبر الانقسام الفلسطيني الورقة الرابحة لاستكمال مخطط الاستيطان والضم وتنفيذ صفقة القرن، واليوم تحاصر المفاجأة الإسرائيليين؛ ما جعل الإعلام العبري كله يتبنى تحليلاً واحداً هو خطورة هذا الحدث.
فلسطينياً الاتفاق يتجاوز الخلافات المرتبطة بالمصالح على قاعدة أن المصلحة المشتركة هي الأهم لوأد مخطط الضم والتهويد، بمعنى أن التناقض الرئيس أمامنا جميعاً هو مع الاحتلال وأنه أساس عملنا ونضالنا المشترك، مع تجميد التناقضات الثانوية إلى حين وضوح الرؤية تجاه التغيرات الحاصلة محلياً وإقليميا وحتى دولياً.
إيجابية الاتفاق تكمن في أنه يؤسس لمرحلة نضال مشترك، وهذا ما عبر عنه اللواء جبريل الرجوب، أمين سر حركة فتح، وصالح العاروري، نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، اللذين شددا على نبرة التفاؤل بانطلاقة جديدة مختلفة تماماً، ومرحلة نضالية لا تحمل طابع التشكيك أو التكتيك، وإنما تحمل الاستراتيجية.
ربما هذه هي المرة الأولى منذ الانقسام الكارثي التي يتم فيها الاتفاق استراتيجياً على النضال المشترك سواء بالتأكيد على المقاومة الشعبية في كل محاور التماس في الضفة الغربية أو قطاع غزة، بل أكثر من ذلك ... وهو ما شدد عليه الرجوب بقوله «لن نموت وحدنا»، وهناك من سيدفع ثمن عدوانه وغطرسته.
المؤتمر الصحافي الذي أكد على شكل الرؤية المشتركة للحل المستقبلي بإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف على الأراضي المحتلة في العام ١٩٦٧ وحق اللاجئين بالعودة والتعويض حسب قرارات الأمم المتحدة في هذا الشأن، كان بمثابة تأسيس لتوافق براغماتي مهم يتكامل مع خطة السلام العربية، ويسحب البساط من تحت أقدام كل المراهنين على تغيير قواعد اللعبة السياسية من خلال مسميات ومصطلحات إنسانية زائفة بعيدة كل البعد عن مفهوم الحقوق أو السلام الحقيقي القابل للاستمرار.
منح الاتفاق، أيضاً، فرصة لكل القوى الفلسطينية للانضمام والسير على هدي خطة استراتيجية واضحة المعالم للمواجهة التي يبدو أنها اقتربت ومفروضة علينا، ولا مناص لنا سوى المواجهة، لانعدام الخيارات الأخرى، التي تبددت بفعل سياسة الاحتلال التدميرية لكل القواعد السياسية، والدعم الأميركي اللامحدود في عهد إدارة ترامب، التي تمنح ما لا تملك مجاناً ودون مقابل.. والموقف الأوروبي الضعيف على مستوى الفعل.
الموقف الفلسطيني الموحد سيجبر العرب على مواصلة الدعم السياسي أو على الأقل، سيخفف التغريدات الخارجة عن الصف والمهلّلة لبناء علاقات إنسانية مع الاحتلال، دون أن نعي كيف يكون الاحتلال إنسانياً وكل وجوده ملطخ بالدم الفلسطيني والعربي.
الاتفاق أيضاً هو بداية لإعادة تفعيل منظمة التحرير الفلسطينية واحتضانها جميعَ القوى كبيرةً أو صغيرةً باعتبارها الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني.
المهم ألا تؤدي بعض الانزلاقات السياسية الصغيرة إلى تعثر الخطوة الاستراتيجية الكبيرة، مثل الاعتقالات السياسية، أو الحد من حرية التعبير بصرف النظر عن سلبية بعضها، وفي المقابل ما يعتبره البعض مساساً به وبسلطته.
لا شك في أن الدعم الجماهيري لهذا الاتفاق المبشّر يعطيه دفعة كبيرة إلى الأمام، وهذا ما أكدته وسائل التواصل الاجتماعي بعد ساعات من المؤتمر الصحافي، حيث صبّت معظم التغريدات أو «البوستات» على دعم هذا التوجه الجديد، وربما هي المرة الأولى منذ سنوات التي نرى فيها خطاباً جماهيرياً إيجابياً تجاه توافق فتحاوي حمساوي في ظل المخاطر التي نواجهها جميعاً حيث لا مفر من الوحدة والاصطفاف في خندق واحد للمواجهة معتمدين بالأساس على قوانا الذاتية، غير مراهنين على الدعم الخارجي، سوى حاجتنا أيضاً إلى موقف عربي علني يعطي زخماً لقدرتنا على المواجهة.
الاحتلال يعتبر ما يدور في المنطقة والعالم فرصة قد لا تتكرر للضم والتهويد وقتل الحل السياسي.. ولكن ارتفاع صوتنا وإن كان في الوقت الضائع يؤكد أن لنا القدرة على الاستفادة من هذا الواقع المر، ربما هي فرصة نجحنا في اقتناصها لنقول إن للاحتلال ثمناً يجب عليه دفعه، ومن يعتقد أن إجراءات الضم والتهويد ستتم دون ثمن فهو مخطئ تماماً وسيتحمل مسؤولية ما ستؤول إليه الأوضاع والحرائق في المنطقة كلها.