حاميها حراميها
«حاميها حراميها» من الأمثال السائرة. له مرادفاته في معظم اللغات الأجنبية الأخرى. ولكنه يبدو أجمل وأوقع في اللغة العربية لما يتضمنه من جناس موسيقي ظريف فيها. والقول منتشر في سائر البلدان العربية، وتروى له حكايات مختلفة. والمعتاد أن يستشهد به الجمهور للسخرية من المسؤولين المتفسخين والأنظمة القائمة على الرشوة والاختلاس والسرقة. لا عجب أن يشيع استعماله في الحقبة الأخيرة من تاريخنا المعاصر في كثير من بلدان الشرق الأوسط، حتى رجعت بعض الأغاني الشعبية والمنولوجات السياسية أصداء كلماته.
وكما قلت، رويت لهذا المثل السائر حكايات مختلفة. أما الحكاية التي سمعتها، أو بالأحرى قرأتها، والعهدة على كاتبها، فتقول إن اثنين من الأتراك جاءا في العهد العثماني لزيارة قبر الإمام عبد القادر الكيلاني في وسط بغداد. خرجا من إسطنبول واجتازا بلاد الأناضول، وعبرا جبال طوروس سالمين آمنين، وباتا في مدينة الموصل بخير وبركة، ثم تركا المدينة، وانحدرا جنوباً. وحيثما حلا ونزلا لقيا من السكان ما يستحقان من الضيافة والإرشاد والطيبة، حتى إذا وصلا إلى منطقة العوجة المجاورة لمدينة تكريت خرج عليهما أهل القرية، ونهبوا كل ما كانا يحملان، غير أن هذين المسافرين التركيين طاردا واحداً منهم كان قد سرق كيس نقودهما. استطاعا بمساعدة أحد الجندرمة المحليين القبض عليه. واقتاده هذا الشرطي إلى السجن بعد أن ضربه ضرباً مبرحاً. ثم سار به إلى المستنطق، حاكم التحقيق، كما يقال الآن.
رق قلب المستنطق لما شاهده من مصير هذين الزائرين المسلمين، ففكر في استرجاع شيء من مسروقاتهما، وإعادتها إليهما. فاختلى المستنطق باللص قاطع الطريق، وكلمه بلطف عارضاً عليه إطلاق سراحه فوراً حالما يعيد كيس الليرات الذهبية إلى الزائرين المسافرين. فأجابه السلاب النهاب قائلاً: «يا حضرة القاضي، والله العظيم لو كانت الليرات عندي لأرجعتها لصاحبيها مثل ما تأمر لكن الشرطي من قرية العوجة أخذها مني»!
فهز المستنطق رأسه، وقال: «يعني صحيح حاميها حراميها». وسمع الناس بالحكاية وكلمات المستنطق، فشاع القول البليغ بينهم إلى يومنا هذا في العراق وغير العراق.
وقرية العوجة المجاورة لمدينة تكريت، هي القرية التي انحدر منها صدام حسين وزمرته، وفيها قبره الآن، ليزوره من لم يسمع بالمثل.