التوافق الوطني قولاً وعملاً !!!
الحقيقية التي ينبغي أن تعرفها كل مكونات الشعب الفلسطيني بحركاته وفصائله وأحزابه وقواه الوطنية والإسلامية، أنَّ هذا الوطن الذي نحيا فيه هو مسؤولية الجميع، قبل أن نقول أنَّه حصة الجميع، باعتبار أنَّ من يفكر بعقلية الحصص قبل التفكير بالمسؤولية اتجاه فلسطين، فإنه بالتأكيد سيكون قد ارتضى لنفسه التنصل والهروب من المساهمة الفاعلة والبناءة في بناء وطنه.
إنَّ الحراك السياسي الذي تشهده الساحة السياسية الفلسطينية هذه الأيام له مدلولات عدة، من أهمها محاولة الخروج بالوضع في فلسطين من عنق الزجاجة كما يقولون، وكسر حالة الجمود وأن يسرع في تشكيل حكومة توافق وطني قادم، فمبدأ الشراكة الوطنية الذي تنادت به الكثير من القوى والفصائل الوطنية والسياسية الفلسطينية وعلى رأس تلك القوى التي اعتبرت مبدأ الشراكة الوطنية هو الحل للخروج من هذه الأزمة هو الرئيس محمود عباس الذي دعا من زمن طويل ومن خلال وسائل الإعلام المختلفة واللقاءات المستمرة بينه وبين مختلف القيادات السياسية الفلسطينية إلى أنَّ الخروج بصيغة توافقية لا بد أن يكون عبر مبدأ الشراكة الوطنية لأنَّه سوف يعُطي كل ذي حق حقه.
على كل حال فإنَّ الصيغة التوافقية لا بد لها أن تكون مطابقة لما يساهم في تقوية المشروع الوطني، وبالتالي فإنَّ الاتفاق الأخير في جمهورية مصر العربية الشقيقة ما بين حركتي "فتح" و"حماس"، على صيغة توافقية يمكن له أن يزيل العقبات ويطوي الوقت والجهد في الإسراع بتشكيل الحكومة التي من شأنها النهوض بالواقع الفلسطيني المتردي إلى ما تصبوا إليه الجماهير الفلسطينية، ووفق البرامج الحكومية التي ستضعها هذه الحكومة القادمة، فلا بد للجميع أن يعلم أنَّ سياسة الحوار واحترام الرأي الآخر وعدم إقصاء وتهميش إي جانب له مردوده الايجابي في الخروج بصيغ توافقية تخدم مبدأ الشراكة الوطنية الفلسطينية، والخلاصة أنَّ ما دعا إليه الرئيس محمود عباس إنما يعبر عن بعد ثابت وحقيقي لمجريات الأمور في المشهد السياسي الفلسطيني، وهو خطوة جريئة لكل من ينشد المصلحة الوطنية التي ما أن تتحقق حتى يبدأ في فلسطين عصر جديد من الثوابت التي من خلالها يمكن أن تنشأ حكومة وطنية قادرة على القيام بمهامها على أحسن وجه وهذا هو بطبيعة الحال ما تنادي به الجماهير.
إنَّ التوافق والشراكة الوطنية بين الكل الفلسطيني يلعب دوراً كبيراً وربما محورياً في إشاعة الأمن والهدوء والاستقرار، وحل ومعالجة المشاكل والأزمات الاجتماعية والاقتصادية والأمنية والسياسية، وإنجاح العملية السياسية وتثبيت مرتكزات المشروع الوطني الفلسطيني. وقد تكون أهمية التوافق الوطني أكبر في وطن، يتميز نسيجه الاجتماعي بالتنوع الحزبي والفصائلي والسياسي، وليس بالضرورة أن يعكس التنوع والتعدد دائماً وجود أزمات أو مقدمات لأزمات من نوع ما، بل ربما كان العكس هو الصحيح، ففي الحالة الفلسطينية ساهم ويمكن أن يساهم العدد الكبير من القوى الوطنية والإسلامية والحركات والشخصيات الوطنية والسياسية في بناء وطن قوي وعتيد، وفي ذات الوقت فإنَّ القوى الموجودة على الأرض لا بد أن تجد نفسها ملزمة بمستوى التعامل والتعاطي مع ما هو قائم من معطيات وحقائق بواقعية وعقلانية، وإلى جانب ذلك فإنَّ تجربة الأعوام العشرة الماضية أثبتت أنَّ التوافق الوطني من شأنه أن يفضي إلى حصول مرونة في بلورة الخطوات والمقدمات المطلوبة لإقامة مجتمع فلسطيني متجانس ومنسجم، تختفي وتذوب فيه الانقسامات والاحتقانات والتشنجات والتشرذمات والمشكلات، مما يمهد بالتالي إلى الوصول للهدف المنشود إقامة دولة المؤسسات والعدل والنظام، ولا شك فإن هذا كله وما يرتبط به بشكل أو بآخر ممكناً إلى حد بعيد إذا صدقت النيات وحسنت السرائر، وتمَّ تقديم العام من المصالح على الخاص منها.
مرة ثانية وثالثة ورابعة نؤكد ونشدد على أنه لا بديل عن مبدأ التوافق والشراكة الوطنية الحقيقية لإدارة العملية الوطنية الفلسطينية في الوطن خلال المرحلة المقبلة، وإقصاء أي طرف من الأطراف يمثل بالنسبة للرئيس محمود عباس خطأً أحمراً مهما كانت المبررات والحجج والذرائع، فالتوافق والشراكة الوطنية الحقيقية تعني بحسب فهمنا ورؤيتنا أنه لا إقصاء ولا تهميش ولا استئثار ولا استفراد بالقرارات، وتعني الاستناد على قاعدة وطنية واسعة وعريضة، والتوافق على مبادئ وثوابت وطنية تكون محوراً لبرنامج عمل الحكومة والدولة، فوطن مثل فلسطين لا يمكن أن يدار إلا عبر التوافقات السياسية والشراكة الوطنية الحقيقية المبنية على أساس الثقة المتبادلة وتغليب المصالح الوطنية العامة على المصالح الحزبية والفئوية الخاصة والضيقة.
لا يمكن بناء الدولة الفلسطينية إلا بالتوافق والشراكة الوطنية من الكل الفلسطيني، ووفق هذا المنهج تنظر الجماهير الفلسطينية بتفاؤل وأمل كبير على أنَّ القادم سيكون للبناء والأعمار وتقديم الخدمات والقضاء على البطالة والفقر وسيكون الوطن الفلسطيني فيها هو المنتصر، ويأخذ دوره الريادي المعروف في المنطقة، ولا يساورنا الشك أبداً أن قلعة الديمقراطية والتعددية وحرية الرأي والتعبير ستبقى جذوراً متأصلة في فلسطين ومثالاً يحتذي به في جميع شعوب دول الجوار.