وعي المواطن واتساع المفهوم
يحضر هذه الأيام مصطلح «وعي المواطن» ويصبح الموضوع كلعبة التنس هذا يرد الكرة وذاك يردها، وعي المواطن هو الأساس للوقاية من الوباء، وذاك يرى أن إجراءات الحكومة فقط هي الأساس ليس غير، وبين هذا وذاك يتسرب الى الساحة في ضوء الفراغ الناجم جراء لعبة التنس وتفاقم الإجراءات الاحتلالية والاستيطانية ما نسميه في العامية «أبو أصبع» الذي يزيد الهوة اتساعاً، ويزيد الفرقة ويعزز عوامل الاختلاف على أساس انها فراق لا رجعة عنه ولا حل له، ويقضي على عوامل الوحدة والتلاحم، ويجد هذا مكاناً في ضوء حالة الإرباك التي نعيشها بحيث يصبح الجميع متهماً ومداناً.
طبيعي أن ترتفع وتيرة الوعظ والنصح بشكل أبوي ومن قبل مسؤولين لتهدئة الخواطر، ولكن أحداً لا يقدم على حل المشكلة من جذورها، ومجمل الوعظ والنصح ينصب على وعي المواطن، وانا لا أقلل هنا من أهمية الوعي وتجسيده على الأرض كضمانة لمواجهة الوباء والخلاص منه بإذن الله، لكن هذا الوعي لا ينحصر في موضوع الوباء، فهو ممتد لأحقيتنا بالديممقراطية والانتخابات ولحريتنا باختيار بشكل جماعي ومنظم وواع أدوات النضال في وجه خطة الضم والاستيطان وجدار الضم والعزل.
الوعي ضمانة مواجهة الوباء، ويجب ان يتحول الى سلوك ويشكل قدوة في الانضباط، ولكننا سنمارس الوعي أيضا في الحفاظ على حقوقنا الاقتصادية والاجتماعية في ذات الوقت طالما اننا نواجه وباء واحتلالاً واستيطاناً، ولكننا نقترض من البنوك وندفع التزامات ونتسوق ونبني منازل ونزرع ارضاً، وبالتالي التوازن بالوعي مطلوب، ويجب أن نسأل الأسئلة الصعبة ...
أين هي المساحة المتاحة لجمعية حماية المستهلك الفلسطيني لتنتصر لحقوق المستهلك بالقانون وبالإجراءات وبالقبول من جميع الجهات الرسمية والقطاع الخاص؟
أين هي المساحة المتوفرة للنقابات العمالية، ولماذا يتم التدخل سياسياً بها وإضعاف مقوماتها؟ نعم العمل النقابي تقوده وتعمل به قوى سياسية، وهذا ليس معيباً؟
أين بلورة موقفنا من قضايا اللاجئين وحق العودة بالوقوف معهم في مواجهة «الكورونا» والانتصار لهم لأنهم الحلقة الأضعف؟
بات ملحاً اليوم في معركة الركون الى وعي المواطن كمنقذ أن نفعّل أدوات هذا الوعي وعدم تشويهه من خلال إعادة الاعتبار للمؤسسات التي تصيغ الوعي وتصقله ورفض استسلامها بأن العمل في «الكورونا» لم يعد ممكناً!!!! وهذا ليس مبرراً مقبولاً بل تعبير عن عدم قدرة على التفاعل مع الظروف، سواء المؤسسات الشبابية أو التنموية أو النسوية أو العمالية او المختصة بالطفولة أو المختصة بالارشاد النفسي والتوعية الصحية، لا يجوز لكل هذه المؤسسات أن تغيب ونبقى فقط ننتظر عودتها دون أمل.
الوعي للمواطن لا يتجزأ، صحيح ان عملاً كبيراً وأموالاً أُنفقت على نشر الوعي بالتعددية والديمقراطية والانتخابات والمشاركة السياسية للشباب والمرأة ودور العمال، وفي الموجة الأولى لـ «الكورونا» يوم كانت الحكومة جاهزة وتتعامل مع الملف ودفعت كامل الرواتب كانت المؤسسات تتدافع لتوزع معقمات ومواد تموينية، وفي هذه الموجة وقبلها باتت بياتاً صيفياً، وانتقلنا الى معركة افتراضية تحث المواطن ان يكون واعياً، ولكننا على الأرض لم نصنع وعياً لا بارتداء الكمامة والتباعد، بل نحن انفسنا قد نلتقط صوراً لأنفسنا ونحن نتناول عشاء مع مجموعة كبيرة من البشر، أو نشارك بإطلاق الألعاب النارية احتفاء بـ «التوجيهي» كآباء وأمهات وعمات وخالات، ومن ثم نعود لنحث على الوعي وتحويله الى سلوك.
المواطن يعي تماماً أن هناك من يضع عثرات امام الحكومة ولا يريد لها أن تنجح، فليس كل الحصار يتعلق بالمقاصة وتراجع المانحين، والحكومة تبدو مرات مربكة في ضوء هذه الضغوط بين التشدد المطلوب في الإجراءات الوقائية والصحية والتباعد وبين الضغوط التي تمارس من مجموعات المصالح وتعامل الحكومة معهم، لقناعة أن اللين مطلوب في وضع صعب معقد ولسد الطريق على من يتصيد بالملف الداخلي، صحيح أن الحكومة رفعت سقف توقعاتها ما قبل «الكورونا» فتباهت ان هناك ارتفاعاً بالناتج المحلي الإجمالي وارتفاعاً في نسبة الصادرات، وذهبت باتجاه الانفكاك الاقتصادي دون أن تسند ذلك بتعزيز قدرات القطاعات الاقتصادية الفلسطينية، وأنا على صلة لا أقلل من مهنية وتقنية رؤية الحكومة، ولكنها ضغطت على داعس البنزين بزيادة شوي دون أن تنظر الى بقية الموكب هل هو مواكب أم لا؟!!!
خاتمة القول ليس كل ما نعيشه مؤامرة ... وليس عبارة عن معركة عبر مواقع الكترونية ممولة ومدعومة احتلالياً ولأغراض تخريب الساحة الداخلية، بل لدينا ضعف داخلي وتردد ونحتاج الى وحدة القرار، ويجب ان يكون واضحاً أن وحدة إدارة الأزمة هي الضمان والأساس وهي التي تشكل الوعي وتشحذه، وفي ذات الوقت وعي المواطن أساسي وواجب النفاذ، والكمامة والتباعد مشوارها طويل معنا، وليس تحايلاً على الفيروس نغلق الجمعة والسبت إغلاقاً تاماً بل ضماناً لعدم وقوع انفلاتات متوقعة بالأعراس والجاهات والتجمعات الكبرى. صحيح سيقع بعضها لا بد، ولكن قد نحاصرها بشكل أو بآخر بالإجراءات المشددة والمعززة بقانون ووعي المواطن والمجتمع المحلي.