رئيس التحرير: سلطة النقد جزء من الأزمة أم من الحل؟
كتب رئيس التحرير: الحياة في فلسطين استثناء، كل شيء فيها غير طبيعي، احتلال وأزمات مالية وسياسية واجتماعية، وآخرها أزمة صحية تتمثل في فيروس كورونا الذي أثر على كافة النواحي وزاد الأزمات الموجودة تعمُّقاً وتعقيداً.
الأزمة المالية الخانقة التي تعيشها فلسطين حالياً بسبب الحصار المالي ووقف المقاصة والإغلاقات الناجمة عن تفشي فيروس كورونا باتت الشغل الشاغل للفلسطينيين الذين تأثروا بها إلى حد الاختناق والإفلاس.
سلطة النقد الفلسطينية مؤسسة عامة مستقلة مسؤولة عن رسم وتنفيذ السياسات النقدية والمصرفية لضمان سلامة القطاع المصرفي ونمو الإقتصاد المحلي بشكل متوازن وهدفها الأساسي المحافظة على الإستقرار النقدي والمالي وتعزيز النمو الإقتصادي المستدام
. في هذه الأزمة المتصاعدة بسبب الإغلاقات يواجه شعبنا وضعاً اقتصادياً كارثيا ومنهارا، وهنا تبرز حاجة ملحة لإجراءات واجب القيام بها من قبل سلطة النقد، خاصة انها تشرف على احد اهم مكونات الاقتصاد الفلسطيني، ألا وهو القطاع المصرفي الذي يدير هو الاخر ويتحكم بآليات إستثمار أحد اهم عناصر هذا الاقتصاد، آلا وهي الودائع المصرفية، والتي وصل رصيدها قبل بداية الازمة في نهاية 2019 ما قيمته تقريبا 13 مليار دولار، مما يجعل من دور سلطة النقد والبنوك الرافعة الأهم لنجاح اي جهود إغاثة اقتصادية في الاراضي الفلسطينية.
المحلات والشركات والفنادق والمطاعم وتقريبا 95٪ من القطاع التجاري أغلق أبوابه لمدة زادت عن ثلاثة أشهر قابلة للزيادة، مع استثناء غير مفهوم للبنوك والتي استمرت بالعمل بشكل متواصل منذ بداية الازمة، بخدمات مقلصة بالرغم من التوقف شبه التام للاقتصاد الذي تعمل هذه البنوك كمحرك اساسي له وجزء مهم من عجلته التي توقفت بشكل شبه كامل، إلا أن عجلة البنوك استمرت دون توقف، ونتج عن ذلك استمرار تراكم الالتزامات على تلك القطاعات التجارية وبشكل خاص دفع الشيكات والقروض سواء لشركات أخرى أو افراد أو للبنوك التي انتهت فترة تأجيل اقساط القروض لديها اعتبارا منذ 15-7-2020 حسب تعليمات سلطة النقد، الامر الذي ينذر حسب الخبراء المصرفيين بتسونامي متعثرين، خاصة من التجار مع استمرار تراجع انشطتهم التجارية وعدم قدرتهم على توليد تدفقات نقدية كافية لسداد هذه الالتزامات، ناهيك عن تعثر قطاع الموظفين في القطاع الخاص والقطاع العام حيث أن معظم موظفي القطاع الخاص إما فقد عمله او لا يتقاضى راتباً، وخاصة الفئة الاشد تأثراً بالازمة والاكثر عوزا، وهي فئة عمال وموظفي المياومة والعقود المؤقتة، وكذلك عدم دفع الحكومة رواتب موظفي القطاع العام.
سلطة النقد و الاجراءات التي اتخذتها لمواجهة تلك الأزمة في بدايتها، كانت في غالبها قرارات ارتجالية غير مدروسة وغير طويلة الأجل، واستندت على مبدأ ردة الفعل والاهم أنها لم تتواءم وتتطور مع التطورات اللاحقة، فجاءت قراراتها غريبة لم يفهمها المواطن وحتى البنوك، وهذه القرارات زادت من العبء على المواطنين حيث قررت استمرار فتح البنوك وإعادة الشيكات وتغريم أصحابها وإضافة نقاط سوداء على من تعثروا، دون ان تسطيع تطوير نظام عادل يفرق بين من يستغل هذه التعليمات للتهرب من دفع الشيكات وبين من لا يستطيع ببساطة دفعها ؟ كما أعلنت عن تأجيل القروض لأربع دفعات فقط مع إبقاء الفوائد التعاقدية سارية مما فاقم الاعباء المالية على المواطن والانشطة التجارية .ولم تكترث أيضا لسلامة موظفي البنوك في المناطق الموبوءة بالفايروس، فما الداعي لأن يذهب بعض المراجعين بهذه الأيام للبنك فقط لمعرفة رصيده أو عمل كشف حساب أو يأتي لطلب قرض يكون أصلاً مرفوض من قبل البنك؟ مع العلم ان البنوك توفر خدماتها الإلكترونية لجميع المواطنين.
المواطنون سواء تجار أو موظفو القطاع الخاص والعام طالبوا بإغلاق البنوك، أو في حال فتحها أن يتم إيقاف المقاصة بما فيها وقف خدمات المقاصة المقدمة من البنوك الفلسطينية الى البنوك الاسرائيلية، وتأجيل القروض حتى نهاية العام دون أية فوائد وعدم تغريم من تعثرت شيكاتهم او نقاط سوداء.
برنامج القروض (استدامة) الذي أعلنت عنه الحكومة بقيمة 300 مليون دولار من خلال سلطة النقد الفلسطينية، لدعم القطاعات الاقتصادية الاكثر تأثراً بالازمة شابه الكثير من الغموض من التعليمات الخاصة به عند التطبيق الفعلي من خلال البنوك، مما جعل هذه البنوك تحجب وتتردد في التوسع في منح تمويلات ضمن هذا البرنامج، خاصة انها هي من يتحمل وحدها مخاطر هذه القروض بشكل كامل حسب معايير البنوك، دون اي مساهمة من الحكومة او سلطة النقد في تغطية اي جزء من هذه المخاطر، كما ان العائد المنخفض الذي تتقاضاه البنوك من الزبائن بواقع 3٪ حسب تعليمات سلطة النقد، تدفع منها نصف بالمئة لصالح سلطة النقد نفسها، ساهم في عدم نجاح الصندوق لأن هامش المخاطرة هنا اكبر بكثير من هامش الربح والاستفادة من وجهة نظر البنوك، وهذا ادى الى ان البنوك تتشدد في الشروط والضمانات التي تطلبها لمنح تغطية هذه المخاطر، كل هذا بالاضافة الى البيروقراطية من طرفي البنوك وسلطة النقد في عملية منح الموافقات على هذه القروض والتي يستلزم بعضها عدة أسابيع.
كل هذه العوامل جعلت من الأثر الاقتصادي للبرنامج، والذي كان من المفروض ان يقوم بتوفير سيولة طارئة وسريعة للانشطة والاعمال التجارية لضمان استمرار تشغيلها، أثر محدودا جدا، ولم ينجح إلى الآن في تحقيق الغاية المنشودة منه. وبالتالي لم يستفد من هذا البرنامج إلا جزء يسير من الشركات الى الآن، وعليه فإن أزمة الشركات الصغرى والمتوسطة مستمرة وهي التي تشكل من 80٪ الى 90٪ من نسبة الاعمال والانشطة التجارية والاقتصادية في فلسطين، فكيف ستدخل البنوك في هذه المخاطرة دون أي ضمانات لا من الحكومة ولا من سلطة النقد ولا من التجار واصحاب الاعمال؟!, وهنا تتحمل سلطة النقد المسؤوليه الكامله عن فشل هذا البرنامج لغاية الان, بغض النظر من هو الذي وضع العراقيل لعدم نجاح هذا البرنامج.
منذ بداية العام الجاري حوالي مليون شيك تعثر, وتم تغريم أصحابها بعمولات ارجاع شيكات تتراوح بين 50 الى 60 شيكل عن كل شيك، باستثناء الفترة ما بين الثالث من آذار وحتى الخامس من أيار الماضي، ما يعني أن مبلغاً مالياً لا بأس به جُمع من مواطنين معدمين لم يتمكنوا من الإيفاء بالتزاماتهم، مع الإشارة إلى أن جزء من هذا المبلغ المجموع يذهب إلى سلطة النقد بدل عمولات ضمن نظام المقاصة. لماذا لا تقوم سلطة النقد بتخفيض عمولة الشكات الراجعة الى النصف او اقل بهذه الاوقات الصعبة؟!!!
لماذا لم تبادر سلطة النقد الى تمديد تأجيل اقساط التمويلات والقروض التي ستستحق على المواطنين حتى نهاية العام الحالي! لماذا توقفت سلطة النقد عن دعم القطاعات الاقتصادية والافراد على الاقل في هذا المجال! هل تغيرت وتحسنت القدرة المالية للمواطنين بحيث يمكنهم من دفع هذه الالتزامات؟
سلطة النقد للأسف قالت أن هناك من يستغل عدم وضع غرامة على الشيكات ويتنصل من الدفع وكأن هناك في فلسطين أحد لا يعاني من أزمة، هل التاجر الذي أغلق محله قادر على الدفع ؟؟ وهل العامل الذي فُصل من عمله قادر على الدفع؟ وهل الموظف العام الذي لم يحصل على راتبه كاملا قادر على تغطية الشيك؟؟ بالتأكيد لا، وحتى نكون دقيقين قد نجد 5٪ لديهم القدرة على سداد شيكاتهم، وهؤلاء غالباً يلتزمون دون ضغوط وبالتالي فإن نسبة من يتهرب تصل في هذه الأوضاع لصفر. لماذا لا توقف سلطة النقد رسوم على التسوية للشيكات الراجعة في الوقت الراهن وتكتفي بعمولات الشيكات الراجعة التي تدفع للبنوك مع تخفيضها كما اسلفت.؟
سلطة النقد اصبحت الآن على لسان معظم المواطنين، هل إدارة سلطة النقد هي جزء من إدارة البنوك وتعمل لمصلحة البنك على حساب المواطن؟؟ وأين دور الحكومة ؟؟ ألا تلاحظ أن سياسة سلطة النقد والبنوك تساهم بالضغط على المواطن المنهك المتعب ودون أي مساعدة حكومية له باستثناء "إبقوا في منازلكم"؟!، طبعا مع ابقاء البنوك عاملة بلا توقف مهما حصل وتحت اي ظروف تحت بند "إبقوا في مكاتبكم"؟! سلطة النقد وفِق النظرة الايجابية للمحللين الاقتصاديين فشلت فشلا ذريعاً، واستمرارها بهذه السياسة سيسبب انفجارات للشعب من تجار وموظفين وعُمال في وجه الحكومة إن لم تسارع الى معالجتها. ونذكر أن شرارتها خرجت من تجار الخليل ورام الله وتبعهم المعلمون.. فإلى متى الانتظار يا حكومتنا الموقرة؟