ماذا يريد المواطن؟
رامي الغفالوطن هو الحب الكبير للمواطن، هو انتماؤه وملاذه ودفئه، رمز عزته وعنوان كرامته، حصنه المنيع، وجنته التي لا يرضى عنها بديلا، مهما تغرب أو نأت به الأسفار، هذا هو الوطن العاطفي الذي يتناغم مع الوطن الواقعي ليتحقق البناء، وتزدهر التنمية، وتبرز علامات النهضة في كل أنحائه، ولكن هناك قضايا تضجع المواطن اهمها العمل والسكن، وما من مشكلة اجتماعية إلا ولها ارتباط وثيق بواحدة من هاتين القضيتين أو كلتاهما، فالعمل هو سبيل العيش الكريم، والسكن هو الباعث على الشعور بالأمن والاطمئنان، والدافع للولاء لأي مكتسب وفي ظل العيش الكريم والأمن الاجتماعي يزيد الحرص على سلامة الوطن والدفاع عن مكتسباته.
إن الوطن ليس مزرعة لهذا وذاك من الساسة والقادة يقتسمون ثماره ويستأثرون بخيراته ويستولون على موارده، دون سواهم من الجماهير، وإنما الوطن هو الأم الحاضنة لكل أبنائها أياً كانت مشاربهم او أديانهم ومذاهبهم وقومياتهم وألوانهم، وهم يتساوون في الحقوق والواجبات بدون تمييز، ويتكافئون في الفرص المتاحة لهم سواءً بسواء.
ولا نبالغ لو قلنا إن ما يعانيه الوطن اليوم من اهتزازات وتداعيات وانقسامات ومهاترات، يرجع في جزء منه إلى تلك التركة الثقيلة التي خلفها الانقسام والإحتلال بعد أن اختلطت الأوراق وتغيرت الطباع وفسدت الأخلاق.
إنّ ما يطمح إليه المواطن ويحتاجه من قادته ومسؤوليه بعد كل ما عاناه من فقدان للحياة الكريمة في ظل هذا الوضع الأسود القاتم، أن يكون له كرامه وحقوق أساسيه ودوله ديمقراطيه حرة مستقلة، يشارك فيها في اختيار حُكامه لا بالتوافق المقيت، حلمه أصبح بدوله قوية وعدالة توزيع وحقه في التأهيل والعمل والسكن المُناسب والحماية الاجتماعية في حالات البطالة والشيخوخة والمرض والحوادث، وبقضاء عادل وفصل للسلطات ويكون الولاء فيها فقط للوطن ورؤية واضحة للسياسة وأمنه الوطني غير قابل للتجزئة وجهازه الإداري والأكاديمي والمالي والاقتصادي، وأن تخضع كل الإدارات والواجهات القضائية والخدمية والمهنية والاجتماعية لسلطه القانون، وفوق ذلك سلطه الدستور الذي يستمد شرعيته من الجماهير، في ضوء تحديد الصلاحيات، ويقرَن بمسؤولية الرقابة، لا بالتوافقيات المريضة والمراهنة على عامل الزمن وقراءه الطالع، والذهاب إلى سبيل عرافه عجوز شمطاء لقراءه حظه العاثر.
ومن هنا فالمواطن لا يريد خطابات وشعارات براقة ورنانة، فهناك الكثير من الأطفال يجيدون إلقاء الخطب أفضل من الكثير من الساسة والسياسيين.
يريد المواطن فرص عمل مجزية الأجر.
يريد المواطن تعليم متقدم في مناهجه ووسائله وأساليبه.
يريد المواطن أسواق مليئة بالبضائع الصالحة للاستهلاك الأدمي.
يريد معابر مفتوحة على مدار الساعة.
يريد تجارة حرة ومصانع تعمل.
يريد كهرباء منتظمة ووقود وماء صالح للشرب.
يريد مستشفيات ومستوصفات وعيادات حديثة.
يريد حرية في القول والفعل ملتزمة.
يريد سكن لائق وحدائق ونوادي ثقافية.
يريد شوارع نظيفة وساحات مطرزة بالخضرة.
يريد مسؤولون يوفرون لهم السعادة والأمن والحرية.
يريد محافظين يرفعون من مكاتبهم أكوام الزهور الورقية الملوثة بالتراب ليفكر بتقديم الخدمات.
يريد مجالس بلديات تلقي جانبا بالسبح الكهرمانية والبدل المكوية او اليسر المحببة بالفضة ويسيرون أمام المعدات الثقيلة ليوجهوها برفع الأنقاض والقمامة وشق الطرق.
هناك مقولة للنجاح تدعو إلى وضع الرجل المناسب في الموضع المناسب وهو مبدأ صحيح، وحين يتم التعيين وفقاً لهذا المبدأ، ستجد الجماهير على اختلاف ثقافاتهم وتياراتهم وألوانهم السياسية، يرحبون بهذا التعيين ويثنون عليه، ويسقطون من الحساب الاعتراضات الناشئة من حسابات شخصية أو مصلحيه.
إن التصدي لموقع المسؤولية هو تكليف وأمانة وطنية ودينية وليس تشريف ومقام ومسميات وإن الشخص الذي يتحمل مسؤولية الأمانة لابد أن يتحملها بكامل مسؤوليتها واستحقاقاتها كاملة دينيا ووطنيا وإنسانيا، وعليه فان الجماهير بكل مكوناتها تتحمل كامل المسؤولية في عملية اختيار الأصلح بعيدا عن الكل المؤثرات الخارجية مهما كان نوعها ولونها.
إن إرادة التغيير لابد أن تنبع من داخل النفس، ومتى انتصر الإنسان على نفسه، كان أقدر على الانتصارات الأخرى في الميادين السياسية والاجتماعية والفكرية والمعرفية. فلتكن هموم الوطن والمواطن فوق كل الهموم الشخصية والفئوية، وبهذا نخرج الوطن الحبيب من عنق الزجاجة.
آخر الكلام:
المواطن لا يخدع بعد هذه السنوات، فقد فشل الكثير من المسؤولين في الإختبار، ولم يبقى سوى للمواطن حسن الإختيار.