رئيس التحرير: القطاع السياحي يحتضر والحكومة تزيل عنه أجهزة التنفس!
كتب رئيس التحرير : المنشآت السياحية في فلسطين قطاع مهم، تستوعب عدداً كبيراً من العُمال برواتب معقولة، وحسب مركز الإحصاء الفلسطيني فإن عدد المنشآت العاملة في القطاع السياحي يقترب من 12 ألف منشأة خلال عام 2017، يعمل فيها مايقارب 37 ألف عامل، وتشكل ما نسبته 8% من إجمالي العاملين في المنشآت الفلسطينية.
تلقت هذه المنشآت صدمة قوية منذ بداية جائحة كورونا، تمثلت في إغلاقها. الفنادق، المطاعم، المقاهي، المنتزهات، صناعة وبيع التحف والحرف اليدوية ومكاتب السياحة، أغلقت، ما ألحق بهذا القطاع أكبر الخسائر المادية في فلسطين.
العديد من هذه المنشآت انهار بشكل لن يسمح لها بالعودة مجدداً، بسبب عدم قدرة أصحابها على تحمل الخسائر المالية، في حين لم يجدوا يداً حكومية أو غير حكومية تمد لهم طوق النجاة من غرق الإفلاس والانهيار، ما يعني أن عشرات العُمال سُحبوا سَحباً إلى بئر الفقر والبطالة.
لا يعلم أحد، ولا حتى المختصين، متى تنتهي الجائحة، وبحسب خبراء منظمة الصحة العالمية فإن هذا الوباء سيستمر للعام القادم، واستمرار الحكومة في سياسة إغلاق المطاعم والمقاهي والفنادق يعني إنهياراً كاملاً وشاملاً لهذه المصالح وبالتالي 8% من حجم العَمالة في فلسطين سيلتحق بأسراب العاطلين عن العمل بلا جهة تتبناهم أو تمنحم الصمود.
أين الحكومة من إنقاذ هذا القطاع؟ ولماذا تختار القرارات السهلة وهي: أغلق مطعمك !! أغلق المقهى !! أغلق الفندق !!
أين الرؤية والتوازن بين صحة الناس واقتصاده؟ هل بعد إغلاق الحدود سيظل الفندق يشكل خطراً؟ وهل هناك سياح من الأجانب يدخلونه؟ بالتأكيد لا، بالتالي هذه المصالح حتى لو قررت الحكومة إعادة فتحها لن تعمل بطاقتها السابقة، بل فقط بما يحميها من الإنهيار.
الغريب للمتابع هو لماذا لم تنتبه الحكومة أنه لا يوجد أي حالة تسببت بالإصابة بالفايروس في أحد المقاهي أو المطاعم؟ وعندما فتحت الحكومة قبل شهر المطاعم أو المقاهي كان لديهم إلتزام عالٍ بأساليب الوقاية وكانت جهات رقابية تتابعهم وأغلقت مطاعم و مقاهٍ لم تلتزم بأساليب الوقاية دون أي اعتراض، بل ترحيب من المواطنين ومن أصحاب المطاعم والقطاع السياحي نفسهم.
السؤال الآخر، هل قصرت الفنادق بمنح فنادقهم لحجر المصابين؟ ولماذا لا تستأجرها الحكومة اليوم لإيواء الإصابات الكبيرة وتحقق بذلك قدرة على استيعاب المصابين وكذلك تشغيل الفندق؟
صاحب المطعم والمقهى والعامل فيها يتساءل: لماذا لا تقرر الحكومة فتحها مع إلزامها بمعايير الوقاية وتحت طائلة المسؤولية؟ سواء ارتداء الكمامات والقفازات والتباعد وحتى في عدد الزبائن؟ ولماذا لا نُفعِل ونُشغل الشرطة السياحية والتي أصبحت بلا عمل تقريبا خلال الجائحة لمراقبة ومتابعة قطاع السياحة؟ علماً أن الحكومة تستطيع وضع شرطي أمام كل منشأة ليطبق معايير الوقاية، نعم وضع شرطي أمام كل مطعم وذلك في سبيل نهضة الاقتصاد المتهالك.
لماذا تُصر الحكومة على التمسك بقرارتها الروتينية والتقليدية التي ستؤدي بأصحاب هذه المنشآت والعاملين فيها للموت الحتمي بسبب الفقر وتنتهي منشآتهم ويُطرد عمالهم، لأننا لا نريد أن نفكر خارج الصندوق فقط؟
دول عظمى تمتلك أضعاف أضعاف المطاعم والفنادق والمقاهي التي نمتلكها في فلسطين وليست دولة الإحتلال ببعيدة عنا، جميعهم وجدوا حلولاً منطقية بالتعاون مع وزارات الصحة لديهم وعادت هذه المنشآت لتعمل، نحن بعيدون مسافة عام كامل على أقل تقدير حتى تنتهي هذه الجائحة، هل سيتحمل هؤلاء شهراً إضافياً وليس عاماً؟ طبعا لا.
ما الفرق بين المقهى والسوبرماركت من حيث الزبائن وخطر إنتشار الفايروس أو المطعم والبنك؟ وما هو الفرق بينهم من حيث الضرورة؟ بالتأكيد أن هذا يحتاج لذاك، والمنشأة مُشغِلة للبنك والعكس صحيح، أليست المطاعم تُشغل أيضا اللحام والبقال ومحلات الخُضار وتُشغل المزارع ومربي المواشي والعجول؟ علماً أن البنوك عندما تفتح فإنها تأخذ من الموظف والتاجر الملتزم بالإغلاق و تطلب منهم دفعات القروض وبدل الشيكات، وهذا لا اعتراض عليه عندما يُسمح للجميع بالعمل، لكن لا تخنقوا المطاعم والمقاهي والفنادق وتطلبوا منها تسديد الالتزامات للبنوك وغيرها.
ناقوس الخطر دق عشرات المرات لمنع انهيار هذا القطاع والآن وليس غداً على الحكومة وضع الحلول أو التعويض العادل والكافي لهم لكي تستمر مصالحهم ولا يسرحوا عمالهم وتدخل عائلاتهم في طابور الفقراء والمعدمين، بل إن هناك جزء منهم سيدخل السجون ويصبحوا من المجرمين بسبب عجزهم عن سداد ديونهم وقروضهم.
الحل ليس معجزة وإنما من خلال طواقم الحكومة ووزارتها تستطيع تنفيذ خطوات ذكرنا جزءاً منها، وعلى الحكومة منح تسهيلات لهذا القطاع كأولوية قصوى عبر البنوك بأكثر من 300 مليون دولار والتي أعلنت عنها الحكومة من خلال سلطة النقد، ولا زالت في صناديق البنوك لا تستخدمها بسبب الشروط الصعبة المفروضة على أصحاب المنشآت السياحية وغيرها.
الحكومة قالت لأصحاب المنشآت السياحية "إغلق"، وأصحاب الشيكات والبنوك تقول لهم "إخلق"، وصعوبة الحال والظروف تحركهم لمربع الجريمة وتقول لهم "دبر حالك، إشحد أو بتسرق".