في خطأ التمييز بين الإسلام والمسلمين
مقالات

في خطأ التمييز بين الإسلام والمسلمين

يستهدف هذا المقال مجادلة الفكرة الشائعة التي تفصل بين الإسلام والمسلمين، حين تثار قضايا تستدعي النقد أو العيب. إنّي واثق بأنكم سمعتم عبارة من قبيل «التقصير من المسلمين ولا يتحمله الإسلام»، أو لعلَّنا قلناها مرة أو أكثر. ولهذا نعرف على وجه الدقة معناها والداعي لقولها.
ولا أعلم متى بدأ استعمال هذا النوع من التبرير، ومن الذي استعمله أول مرة. سوى أني أذكر قراءة قديمة تنسب للمرحوم رفاعة الطهطاوي (1801-1873) قولاً فحواه أنَّه زار أوروبا فرأى إسلاماً بلا مسلمين، وعاد إلى الشرق فرأى مسلمين بلا إسلام. ومراده أنَّ حياة الغربيين سمتها النظافة والنظام والمساواة وسيادة القانون وحرية الفكر. وهي تطبيقات لقيم إسلامية، أو – على الأقل – حري بها أن تكون موضع احترام وتطبيق عند المسلمين. وقد وجد العكس من كل ذلك في بلاد المسلمين، فحكم بأنَّ حياتهم بعيدة عن معايير الدين وأغراضه. وزبدة ما قال، أنَّ الإسلام كامل وفيه كل خير، لكن المسلمين بعيدون عن الأخذ بهذا الخير أو الالتزام بمقتضياته.
إنّي أجد الفصل بين الإسلام والمسلمين، مجرد تعبير عاطفي انتقائي، غرضه التهرب من نقاش إشكالية جدية، برميها على غائب، والعبور منها إلى تبرئة الذات.


في رأيي أنَّه لا يوجد دين (بالمعنى الواقعي) ما لم يكن له أتباع وإطار اجتماعي يتمظهر فيه. نعرف عن عشرات من الأديان والمذاهب القديمة التي زالت ونُسيت؛ لأنَّ أتباعها تخلوا عنها أو ربما تناقصوا حتى انتهوا، فتلاشى الدين أو المذهب معهم. صحيح أنَّ المرجع الأول للدين الإسلامي الحنيف هو القرآن الكريم، والمصحف الذي بين الدفتين محفوظ بأمر الله. لكن مفهوم الحفظ الرباني هنا، قد ينصرف إلى أنَّ الأرض لن تخلو من المؤمنين بالإسلام والقرآن حتى يوم القيامة.
من هنا، فإنَّ الإسلام النظري موجود في القرآن، وفي مئات الكتب التي تشرح شريعته. أما الإسلام كديانة، أي موضوع التزام وعمل في الدنيا، فهو لا يقوم إلا بأتباعه، ولا يتجسد إلا في ممارساتهم الحياتية اليومية. نحن لن نعرف الدين إلا من خلال فهم أتباعه لأحكامه، وتفسيرهم لمصادره ونصوصه الأصلية. ولهذا فلو قلت لأي شخص: عرّفني على الإسلام بكلمات موجزة، لردد عليك كلام علماء الإسلام وأئمته، ولو جاء غريب إلى بلدك وقال: أرني شيئاً من دينكم، فسوف تأخذه إلى مسجد أنيق أو داعية متمكن، أو ربما أعطيته كتاباً يعرض رؤية طيبة عن الدين. وحين يبحث أي شخص عن صورة تدل دلالة جامعة مانعة على الإسلام، فسوف يختار صورة لأحد المساجد الشهيرة، ولا سيما المسجد الحرام.
فهذه الأمثلة تدلنا جميعاً، على أنَّ الدين لا يستطيع البقاء ما لم يتجسد في مظاهر مادية، وأبرزها المجتمعات التي تدين به، وتجسد أحكامه في مناشطها اليومية، من الأزياء إلى العبادات والعمران والأعمال واللغة والفولكلور والعلم والثقافة، إالخ.
الإسلام ثقافة مندمجة في حياة أتباعه، يؤثر فيها ويتأثر بتحولاتها، وليس مجرد كتاب محفوظ في مكتبة. ولأنَّه على هذا النحو، فإنَّ النهر قد يلتقط بعض الزبد من هنا أو هناك؛ الأمر الذي يستدعي التصفية بين حين وآخر. وهذا سر دعوات التجديد المشار إليها أيضاً في الحديث المنسوب للنبي (ص).
ولنا عودة قريبة لهذا النقاش وإشكالاته إن شاء الله.

هذا المقال يعبر عن وجهة نظر صاحبه، ولا يعبر بالضرورة عن وجهة نظر وكالة صدى نيوز.